ادب وفن

شاكر السماوي والحفر في افق الذات / علوان السلمان

للشاعر عريان السيد خلف:
وكحه النفس ما تفعل تلين
منبت حزن ومخالف سنين
والليل لو سد الروازين
شمسين حمره يخضر الطين
لقد شهدت القصيدة بضفتيها الفصيحة والعامية تحولات تاريخية دغدغت ثنايا الروح واستوعبت المرحلة وصراعاتها مبنى ومعنى.. فكانت مغامرة الشاعر الذي بدأ يحفر في افق الذات المغتربة مع تمازج الايقاع الداخلي والخارجي المنبعث من بين ثنايا الالفاظ.. فكان على الضفة الاولى السياب ونازك والبياتي وبلند الحيدري روادا لقصيدة التفعيلة (الحرة) التي قابلتها على الضفة الاخرى القصيدة النوابية التي جذبت اليها عدداً من الشعراء منهم(عريان السيد خلف وكاظم الكاطع وناظم السماوي وشاكر السماوي الانسان/ الشاعر الذي يشكل عمودا من اعمدة التجديد المعانقة للتجربة الوجدانية المتميزة بذات قائمة.. ملتزمة بالاشتراطات التكوينية الشعرية المتجاوزة بانزياحاتها وبنائها الفني والجمالي.. عبركتابة النص الشعري بفصاحته وعاميته والذي غادر الارض وجودا وعاش المنافي حفاظا على الذات والتكوين..
لا ادري انا..
هل العشق جسر حسي للموت؟
ام ان الموت جسر روحي ل(بنادم)؟
لكني ادري..
ان جدل التناسق وتناسق الجدل
قطبان لولادة مستديمة الغناء
الغناء من اجل انسان انقى
وموت ابهى..
وما بين النقاء والبهاء تسبح نصوص الشاعر شاكر السماوي الذي يعد ركنا اساسيا من اركان الشعرية العامية ورمزا ثقافيا ومعرفيا اسهم في ترسيخ مفهوم الحداثة الشعرية.. ابتداء من نشرته الجدارية (الصرخة).. المكتظة بالنص العامي المتمرد على السلطة والكاشف عن بوصلة الشاعر الذاتية التي تداخلت والذات الجمعي الاخر.. التي اودت الى فصله من الدراسة ومطاردته.. اضافة الى اكتظاظ فكره بالمعرفة الماركسية التي اثرت مسارات نموه الفكري والنفسي وميزته بتجربته الابداعية المتجاوزة والمتمثلة بمنجزه الشعري (حجاية جرح1970/ رسايل من باجر1975/ نشيد الناس 1982/ العشك والموت وبنادم 1984/ تقاسيم 1989/ نعم انا يساري 1999)..
يا علام البيك اضحت روحي وردة
غبشة يبجيها عطرها
او ياعلام الشوك بي..من تكلي..
انسى وانسى..
شنسى وانسى..
حتى انسى اشما تريد انسى بظنونك؟
انسى طعمك...
لا وحك الشوك والزعلة وعتابك
لسه لسه ذيجة بي
هالة الضحكة وعطرها الذوباني ابين اديه
ولسه لسه..مستحاك بعيني يسبح
ضي دواير شالت الرجفة الهنية
ولسه لسه مهامسك بي جفافي
وجف يحط خياله عالنسمة هدية
ففيض الشاعر ينساب بحس تعبيري منسوج نسجا دلاليا عميق الفكرة بصوره البصرية.. الحسية المتداخلة والمحلقة في عالم الخيال الكاشف عن الحالة الوجدانية.. فهو يبني نصه على وفق معيار هندسي له التزاماته الموضوعية المشروطة مع تركيز على الخصائص الحسية لابراز الجمالية واعادة تشكيل الوجود من خلال اشتغاله على بث شعرية المفردة من خلال استنطاقها لكينونتها عبر علاقات منظومة الدال والمدلول لتفعيل الاثر الحسي والذهني بلغة ايحائية يومية مفتوحة على قراءات متعددة وتاملات تفسيرية.. فضلا عن اعتماده مقومات واساليب تعبيرية في بناء نصه الشعري كالية السرد التي اضفت على نصوصه دينامية حركية اضافة الى التعبير بالصور لتحقيق المتعة الجمالية وتحريك الخزانة الفكرية للمتلقي..
ياشط الحزن والليل
ياشط الفرح والهيل
نامت شهرزادك والصباح تليل وي الليل
وتعلمنه الوكت يندار
الزلم تندار
السجج تندار
وتعلمناك من تسكت
تراتيلك تظل بينه
گلب يجري بشرايينه
هرش يذبل غريب بفي بساتينه
طفل من جاس شمس الله
لگه بجفه الشمس طينه
فالنص مشحون بايقاع جمالي درامي عبر نسيج لغوي خالق لصوره الفنية المركبة مع رمزية اسهمت في تعميق مساراته من خلال تركيز الشاعر على انتقاء مفرداته والتشكيل والرؤية والايقاع المنبعث من توظيف تقانة التكرار التي اضاءت وشكلت لازمة نصية خالقة للرؤى الشعرية.. الصورية.. واسهمت في تفجير المعاني ومنحها اقصى مديات التأويل..فضلا عن اضفاء موسقة حية انبعثت من بين ثنايا الالفاظ (علام/انس/لسه..) التي غطت جسد النص وكشفت عن ايقاع داخلي وتوكيد للحالة النفسية والانفعالية للذات الشاعرة.. من اجل تحريك ذاكرة متلقيه ونبش خزينها الفكري.. فضلا عن انه يعتمد مقومات واساليب تعبيرية من اجل بناء نصه كان في مقدمتها السردية الشعرية التي اضفت عليه دينامية حركية عبر صورها المحققة للمتعة الجمالية..
وبذلك قدم الشاعر عوالم متوهجة وسط اختناقات الاغتراب الروحي الذي يحيط بالوجود الانساني بحبكة متماسكة الخيوط مكتظة بمفاهيمها الانسانية والروحية..