ادب وفن

ثلاثة أفكار في احتفالية غائب طعمة فرمان / ياسين النصير

خبر وفاة غائب طعمة فرمان
كان صباحًا صيفيًا عندما تلفن لي الاستاذ محمد ملا كريم ليخبرني أن غائب طعمة فرمان قد توفي في موسكو، كان ذلك أيام انفضاض الجبهة واضطرار الاصدقاء الشيوعيين وغيرهم الى الابتعاد عن العراق، وبقينا عددا قليلا ينتقل بين هذه الجريدة وتلك. كنت اكتب دراسة اسبوعية عن القصة في جريدة الجمهورية، هذا ما جعلني اتمادى وأطلب من مسؤول القسم الثقافي وكان الاستاذ ماجد السامرائي، أن تنشر الجريدة خبراً عن وفاة غائب طعمة فرمان. فرفض، وفي اليوم نفسه اتصلت بالمرحوم الناقد محمد الجزائري وكان يعمل في جريدة الثورة التي يرأسها الشاعر حميد سعيد، لنشر خبر وفاة غائب، بعد يومين ظهر خبر مقتضب جدا عن وفاته. حدثني محمد الجزائري قال: لولا حميد سعيد وعلى مسؤوليته الشخصية لما نشر الخبر.
في بيت الدكتور علي جواد الطاهر جرى الاستعداد لإقامةأربعينية لغائب طعمة في بيت أخيه، في الغزالية أو في الكفاءات لا أتذكر جيدا المكان. وطلب الدكتور علي جواد الطاهر مني ومن الدكتور عبد الإله أحمد، أن نلقي كلمات قصيرة بعد كلمته أي الدكتور الطاهر في حفل التأبين، واستعديت لذلك، لكننا فوجئنا ونحن في مجلس التأبين، بأن الأمن قد أحاط بمكان التأبين، مما اضطرنا إلى إلغاء الكلمات بناء على طلب من أخيه الذي خشي علينا. وبالفعل قرأنا الفاتحة ونهضنا بعد نصف ساعة.
دراسة خالد المصري لروايات غائب طعمة فرمان
عندما غادرت العراق في نهاية عام 1991 لم أأخذ معي غير أرشيفي الخاص بغائب طعمة فرمان. فقد قرأت كل رواياته، وكونت مجموعة من الملاحظات النقدية التي تشكل دراسة متكاملة. بلغت ملاحظاتي المدونة أكثر من مائتي ملاحظة، لقد كنت على صلة معه وهو في موسكو، وكان قد عهد إليّ بأرشيفه الصحفي الذي يشمل مقابلاته وبعض رسائله. حتى أن الدكتور المرحوم علي جواد الطاهر كان هو الآخر يؤكد هذه العلاقة فيعطيني بين آونة وأخرى بعض ما يعثر عليه من آراء تخص غائب طعمة. كان هذا الارشيف وملاحظاتي جزءا من مؤونة هجرتي، ولكن وأنا في الأردن أصبت ب?لطة قلبية ثانية وشعرت أنني على وشك الموت. كان ذلك عام 1993. في وقتها كان الشاعر عدنان الصائغ واسرته قد حلوا في عمان، وعند زياتي لهم اخبرني بأن طالبًا للماجستير واسمه خالد المصري سيدرس غائب طعمة فرمان لنيل رسالة الماجستير، فأخبرته بان الاستاذ ياسين النصير يمتلك ارشيفًا نقديًا عن غائب، يمكن أن تطلع عليه.
وبالفعل زارني الأثنان وشرح خالد لي رغبته بالحصول على الأرشيف متعهدا شريطة بأن يعيده لي أو لعدنان الصائغ.كان شعوري بالمرض قاسيا بحيث لم أفكر بالمستقبل، فقررت ان اعطيه كل الارشيف بما فيه رسائل غائب طعمة وملاحظاتي المائتين، على شرط أن يعيدهما بعد انتهائه من كتابة الرسالة. اعطيت كل ما أملك لشعوري بأن غائب يجب أن يدرس وأن جامعة اليرموك الاردنية جديرة بأن يكون أحد طلبتها موسومًا بغائب طعمة فرمان. إلا أن الذي حدث أن السيد خالد المصري، وبعد أن نال الماجستير،وطبعت رسالته في دمشق، لم يرجع لي ولا لعدنان الصائغ الأرشيف، بالرغم من متابعتي له وسؤالي عن الأرشيف حتى وهو ينتقل للعيش في امريكا. وبعد جهود مضنية اعاد إلي جزءا من مقابلات غائب الصحفية فقط، بينما لم يعد لي رسائله ولا ملاحظاتي النقدية. وعندما طبعت مؤسسة المدى رسالة خالد المصري عن غائب ، وجدت أن 70 في المئة منها مأخوذ من ملاحظاتي النقدية، دون أن يشير إليها اشارة واحدة.
تمثال لغائب طعمة فرمان
يقام في هذه المناسبة لغائب طعمة فرمان، تمثال في مقر اتحاد كتاب روسيا الاتحادية، تكريما لثقافته ومساهمته في رفد الثقافتين العربية والروسية بترجمات ومؤلفات.حيث بادر عدد من المثقفين العراقيين في موسكو لإقامة تمثال له. وقد ابدى فنان مصري الاستعداد لنحت التمثال دون مقابل مادي، وبالفعل أنجزالفنان التمثال، وبقي أن ينصب على قاعدة في مقر اتحاد كتاب روسيا. إلا أن تكاليف نصب التمثال والقاعدة التي يستند عليها تتطلب حوالي 4000 آلاف دولار. وعند زيارة الدكتور ابراهيم الجعفري لموسكو، قابله الاستاذ عبدالله حبه شارحًا له اه?مام اتحاد كتاب روسيا بإقامة نصب روائي عراقي كان من أهم المسهمين في نقل الثقافة الروسية إلى العربية، فأعتذر الجعفري عن الاسهام في أي مبلغ.
اتصلت شخصيًا بوكيل وزارة الثقافة الاستاذ فوزي الاتروشي، مقترحا اسهام وزارة الثقافة باي مبلغ، وعد الاتروشي ان يفاتح الوزارة بذلك، وعليّ أن انتظر. ولكن الانتظار طال ولم احصل على جواب. الموقف نفسه حدث مع اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، حيث ناشدتهم في رسالة ولقاء لاحق الاسهام بتكاليف النصب. ولكن أيضا دون جواب.
ما يحز في النفس أن روائيًا كبيرًا ومهمًا مثل غائب طعمة فرمان لا يجد من يدعم اقامة تمثال له في وطنه. وعندما يبادر أصدقاء الكاتب ويناشدون من هم جديرون الاسهام لإقامة تمثال له في بلد أوروبي تقديرا لمكانته، لا يجدون أية معونة أيضاً. ومع ذلك سيقيم أصدقاء الروائي التمثال بعد أن اسهموا بجمع تكاليفه، وهم يستحقون بهذه المناسبة الثناء والتقدير.