ادب وفن

اضواء خافتة على قصيدة سفاح عبدالكريم «انتماء حسيني» / عيسى مسلم جاسم

على مدى سنوات و - أنا - أقترح على اساتذتي الاجلاء في صفحة ادب شعبي بعضاً من الملاحظات المتواضعة، مصحوبة بعلامة استفهام حيرى:
سادتي الكرام، اذا كنتم مصرين ان تكون هذه الصفحة الشعبية الخالية مغلقة للأدب الشعبي "الشعر فقط" فانتم سادة العارفين في هذا الملعب على أقل تقدير، لا بأس في ذلك، لكن لدي ملاحظة صغيرة؛ أن يتغير الاسم الى صفحة "الشعر الشعبي فقط" وليس للأدب الشعبي بيافطته العامة، كما سرني جداً ان تنحو الصفحة منحى جديداً على دراية محرري الصفحة او حتى الاصغاء لطروحاتي العديدة السابقة، لا فرق في ذلك، هي ليست رغبة ذاتية في نفسي، بل هي حاجة موضوعية، فضحت تسميتها "أدب شعبي فظهرت بحلة جديدة: قراءة نقدية، شعر شعبي قد تخرج تواً ومن ابواب اكثر من صيحة ثقافية، او مدرسة ادبية، ومما عزز الصفحة "الحكايات الشعبية التي تتبوأ الثلث الاسفل من الصفحة، تحت يدي الآن وفي ذات السياق برزت الحكاية تحت باب "شفاهيات" كتبها مشكوراً الاديب اللامع "علي ابو عراق" وهو مبدع يكتب في اكثر من لون ثقافي، يبدو انه قادر على مسك اكثر من تفاحتين ناضجتين بيد واحدة، والساحة الثقافية قد تتحفنا بعينات ماسية من شريحة مبدعنا الذي اشرنا اليه. حيث يقول في شفاهياته:
- خل الحصاد بليل.. يزرگ يبو نجوم ونخالف الذرعان ونذوب الهموم- وهي فقط توطئة للعنوان الموسوم "متواليات الحصاد والحسب والنسب".
بيت القصيد، ومربط الفرس قصيدة "انتماء حسيني- للشاعر المبدع- سفاح عبدالكريم" المنشورة في صفحتنا الأثيرة "ادب شعبي" وفي الصفحة السابعة، وحسب الميثولوجية الروحية/ الاجتماعية فان الرقم 7 مبارك وضمن صفحات جريدتنا الغراء/ طريق الشعب، بعددها 10، لسنتها 80، وليوم الخميس المصادف 14/ آب/ 2014.
نعم آليت "أنا" كاتب هذه السطور أن لا اكتب عن صاحب أثر أدبي اكثر من مرة سواء الذين اعرفهم شخصياً من مدينتي ام عموم محافظتي، ام الذين تكحلت عيوني باسمائهم، ومن خلال نتاجاتهم الأدبية فقط، مع علمي ان هذا الجزم ليس دقيقاً ابداً فان الذي يدفعني للكتابة ليس الاسم الكريم، بل هو الأثر الأدبي الغزير فهو الذي يكتبني لا انا الذي...
واستاذي "سفاح عبدالكريم" قد كتبت اكثر من مرة عن قصائده، كما اشرت النصوص هي التي تكاد "تجبرني" على التوقف والانبهار عندها، ولي حجتي في حالة الانحياز له والاعجاب به "بالاحرى" أضف لذلك، وان هذه الصفحة الجماهيرية، قد ازدانت ببعض كتاباته النقدية الثاقبة؛ هوّن عليك يا سيدي رفقاً بنا، وانت -لا حسد- تحظى بالجمل ما حمل- اذاً ماذا أبقيت لنا؟ وللامانة أنت زهونا.
القصيدة طويلة نسبياً فقد تألفت من ثلاثة واربعين سطراً، وضعها الشاعر في اربعة مقاطع على الرغم من وحدة الموضوع، للمقطع الاول حصة الاسد 22 سطراً، والثاني 7 أسطر والثالث 8 اسطر، اما الرابع والاخير فهو قد حظي باقلها 6 أسطر فقط. وهي قصيدة مدحدثاوية بامتياز، وان تكرار القافية بالحروف "الفاء، اللام، العين،" قد جعلها الأقرب الى قصيدة التفعيلة، لكنها عموماً جاءت مندلقة اندلالقاً هادئاً كنزول قطرات الندى من علً، ومع ان هذا اللون له جمهوره الواسع "المتفاوت" الثقافات فان القصيدة منظومة للمنابر، لشعبيتها اولاً ولتفاوت عند تفعيلات أسطرها فتسلم الأذن البشرية، ايقاعات متجددة واصلاً متناغمة، مبتعدة عن الرنين الرتيب الذي يقود احياناً الى الحذر، بل والاغفاءة، واتسمت كذلك بانسيابية اللغة، وسلامة المفردات من الهفوات النحوية والاملائية، لا سيما والحالة الاخيرة قد "أثخنت" الكتابات الشعبية، وقد عاتبت، بل واعترضت على عدم عناية هذا اللون بالاحكام اللغوية، حتى بت اشك ان لديهم امراً من المجمع اللغوي، بالكتابة على هواهم.
قد يوظف الشاعر النصوص الروحية، او الشعبية، وهذا أمر مشروع، مع وضع أقواس احياناً على مفردات النقل المباشر، شاعرنا جعل قصيدته "حسينية" بامتياز، ومن خلال نظرة سريعة على مفردات اسماء العلم نجد: "زينبي، حسيني، زينب، حسين، عباس، ابو الحسنين، الحر الرياحي، جبريل، العليل- يعني "علي بن الحسين" رقية، الرضيع، فاطمة، البتول، الرسول، مفردات اخرى هي رديفة، وحسب العالم التربوي الروسي "بافلوف" تترابط شرطياً مع واقعة كربلاء التي حصلت في 10 محرم سنة 61 هجرية على مسرح ارض كربلاء/ العراق وهي: سيوف، الطفوف، مگصوع اليدين، الغاضرية، كربلة، متكربلة، خيبر، الكفيل، البقيع، ركضة الماشين، ومفردات اخرى.
العلامة الايراني المعروف المفكر الاسلامي "علي شريعتي" يقول: ان الذين قتلوا مع الحسين هم "حسينيون"، اما انصارهم الذين هم على قيد الحياة هم "زينبيون" أي دورهم كدور بطلة كربلاء "زينب" هو دور دعائي، تحريضي، اعلامي، ايضاح دور الثورة الحسينية في اصلاح الامة بعد ترديها واحلال النقاء والنزاهة بدل الفساد والمفدسين ويقيناً ليس على شاكلة الاخرين.
يقيناً لم يتناول الشاعر هذه الملحمة البطولية التي هزت ضمير العالم على مدى اكثر من 1400 سنة، وكتب عنها المفكرون من خارج الوسط الاسلامي، باعتبارها قضية نضالية ضد التفرد والاستبداد والعبودية والاغراق في اللهو والفساد الاخلاقي، والمالي، والاداري، على حساب ملايين الجياع من الامبراطورية الاسلامية، على أقل تقدير.
نعم تناول شاعرنا الملحمة تناولاً معاصراً لم يكتف برواية الاحداث، وذرف الدموع والتباكي على قضية عادية حصلت كما يفعل الآخرون، بل عصرنها وارادها جهادية ثورية للخلاص من وضع مرفوض لابد من دفع الاثمان غالية وهذا الذي حصل، وهذا دور الدين كما حصل "لاهوت التحرير" في امريكا اللاتينية.
الشاعر تناول قضية حساسة جداً، وكما تقول الدراسة الفكرية للرفيق الدكتور صالح ياسر: "يكتسي التطرق للظاهرة الدينية بشكل عام، أهمية بالغة في بلادنا نظراً للمحظورات التي تميز المجال الديني، والحساسية الكبيرة التي تكتنف نقاش القضايا المرتبطة بالدين في العالمين العربي والاسلامي- بتصرف.
عودة سريعة للعنوان "حسيني وطني معاً" وهي حالة ترابط جدلي بين القضيتين الانسانية والوطنية، وبترابطها الجدلي تنفرد حالة الثورة ضد الطغيان، كحالة ترابط المطالب المهنية بالوطنية لدى شرائح كالعمال والنساء، وكافة قطاعات المجتمع المدني، نعود بالذاكرة الى مقولة الخالد فهد "كنت وطنياً، وعندما اصبحت شيوعياً حصل تزايد في وطنيتي" فالشاعر لم يجعلها مذهبية طائفية محددة، بل ثورة وطنية زائداً انسانية اممية تحريرية وبكل سنة اتشيع واصافح چم شريف/ أو چم شهيد البيه عراقي/ البيه مثل عباس مگصوع الجفوف/ يا مصيبة كربلا ويا هيبة الدم- السطور الأواخر من المقطع الاول.
الشاعر يربط ربطاً ديالكتيكياً بين واقعة الحسين، قبل اربعة عشر قرناً وبين عراق اليوم، في ظل الخراب في شتى مناحي الحياة العراقية واستلاب جزء واسع من الجسد العراقي، وتجسدت المعلومة "كل ارض كربلاء، وكل يوم عاشوراء، فالذبح والسبي والتجاسر على الشيوخ والنساء والحرائر والاطفال والتهجير والعودة الى افكار القرون الوسطى، وافكار الكهوف والطوائف. سؤال مهم، من الذي وصل بنا الى هذه الحال؟ نعم غياب حكمة القرار السياسي.
- زينب وكلي حسيني/ انهض بعصمة قضيتي/ أشحذ الهمة ابولائي ابكل سيوف الياخذني، ومن صباي اويه الطفوف/ واعتذر للناس من جروح وكتي- هي السطور الاولى من القصيدة، لا ريب الشاعر يترجم صورة البلاد في صراع سلطوي سياسي طبقي هو الآخر كان الحسين ثائراً، واليوم ينخى الشاعر الطيبين، والصورة البليغة الاعتذار للشعب من الجراحات، هذا ليس تفكير الشاعر وحده، بل هي حملة الفكر الثوري للناس الاصلاء المجربين.