ادب وفن

المتظاهرين عداوه أويانه! / أكرم الخاطر

تقول الحكاية القديمة: التلميذ يبرر فشله باتهام المعلم بمناصبته العداء، ولهذه الحكاية حاضنة بيتية تتقبل ذلك، وحاضنة جمعية مريضة صنعت هذا المناخ، وهي التي تتقبل انتاجه وتدافع عنه، ولو أجرينا تفكيكا لهذه الحكاية نجدها مؤلفة من معادلة طرفها الأول، تلميذ فاشل، والثاني معلم مُتَّهم، والتهمة: العداوة، "المعلم عداوه ويايه"!
خطورة هذه الحكاية - المعادلة تكمن بعدمقبولهالأيّ حوار، فلا سبيل للإصغاء، لا سبيل للاعتراف بالفشل، لا سبيل للمعالجة، والحل هو اتهام المعلم، ثم تهديده، ولا مانع من قتله،وتلك هي قدرة العقل الفاشل.
هذه المعادلة متحولة في طرفيها، وفي علّتها، لكنها ثابتة في انتاجها، مهما اتسعت أو دخلت في أطوار متقدمة، لأن الطرف الأنشط فيها هو الطرف الأول، طرف الفشل المدعوم بحاضنة نشطة ترى فيه ممثلا عنها، وخادما لمصالحها ومروجا لخطابها.
عند تكبير المعادلة وعرضها بمقاس أشمل، نجد أن المتظاهرين هم الطرف الثاني، "معلّمون" تشير تظاهراتهم الى مواطن الخطأ والصواب، وعلى منظومة الأحزاب المتنفذة، وهي "تلميذ فاشل" أن تجد وتجتهد لمحاربة فشلها، (هذا في الطور المتحضر الصحي)، لكنها تتقمص عقل التلميذ الفاشل، فتختار الاتهامات، ثم التهديد، ثم التلويح بالقتل.
الطرف الثاني، المعلم (المتظاهرون)، يطالب بإنهاءحالاتالنهبوالفساد،وطرد المفسدين وإحالتهم إلى القضاء،وتوفيرالخدمات الأساسية، وتوفير فرص العمل للشباب، وتخفيض رواتب أعضاء البرلمان والوزراء وممثلي رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، و رواتبهم التقاعدية، وغيرها.
هذه هي مواد الدرس، وهذا هو الامتحان، ولكن ماذا فعلالعقل الحكومي؟
كان الأجدر بالطرف الأول: الحكومة وحاضنتها أن تستمع لـ "تعليم" المتظاهرين وتقرأ الدروس،ثم تخرج ناجحة من الامتحان باتخاذ القرارات الاصلاحية،وتنفيذها، كي يلمس المتظاهر ثمرة تظاهراته. لكننا تعلِّمنا من معادلة التلميذ الفاشل- المعلم أن العقل الفاشل لا يمكن أن يصغي ويعد ويعالج، بل لا يمكن أن يبرح طوره الفاشل، وهو طور لا ينتج غير سوق الاتهامات والاستخفاف والتهديد، وتحويل المعادلة من بنيتها المدنية الدستورية الحضارية الى معادلة دينية، ليستحوذ هو على طرفها المؤمن ويعتبر الطرف الآخر علمانيين فاشلين، خلفهم ارادة "معادين"للصف المؤمن، تسعى الى تشويهه، ومحاربة حركته الاصلاحية.
هل يستطيع الطرف الأول أن يفهم أسباب التظاهر، دون اطلاق التهم والتهديد؟، انها، ببساطة تكمن في شعور المواطن، (الطرف الثاني) بأن الخطر بات يهدد لقمة عيشه؟، وأن هناك أفقا مظلما أوصله اليه الطرف الأول،وأن جوهر انطلاق شرارة التظاهر هو أن الفساد المالي والإداري وصل الى حد تصنيف العراق من منظمة الشفافية العالمية كثالث أكثر الدول فسادا في العالم بعد الصومال والسودان،وأن فضائيات العالم المتحضر تستعرض فسادكم تحت عنوان: صدِّق أو لا تُصدِّق، وتظهر قبل العرض عبارة: ننصح المصابين بأمراض القلب والأطفال بعدم المشاهدة ، ولأن التعيينات في الوزارات باتت تحت شعار "ورِّق واتعيَّن"، ولأنكم تغرقون بالملايين التي سرقتموها ،بينما سواحل اليونان وتركيا تمتلئ بجثث العراقيين الغرقى الفارين من جحيمكم،حتى بات المواطن يهمس في اذن صاحبه: "ضاع البات ما ظن بعد تلكونه!
ولكن يبقى سؤال واحد: مَن لهذا الطرف المتظاهر الذي اتهمتموه بالكفر؟
أخشى أن تقولوا:"الكفّار الهم الله"!