ادب وفن

شيركو بيكه س / ياسين النصير

تمتد علاقتي بشيركو بيكه س الشاعر والمناضل والإنسان إلى عقد الثمانينات، يوم كنا نلتقي في اتحاد الأدباء، آتين إلينا من كردستان محملين بما لذ وطاب من كتب وجرائد ومنشورات الحزب الشيوعي العراقي الذي نقل نشاطه الثقافي إلى كردستان، وبقينا نحن هنا نتلقى الأخبار والكتب والمجلات، شيركو الشاعر والإنسان ومصطفى صالح كريم ورعيل من المثقفين الكرد كانوا النافذة التي انفتحت على دوام حضور المثقفين العراقيين في كردستان بعد أن أغلق علينا حكام البعث أية نافذة للرؤية أو للسماع، يأتون إلينا بما نفتقده هنا من مواقف ومراحل تفكير،وكانوا يستغلون هويتهم الكردية في تجاوز نقاط التفتيش.
ومنذ ذلك الوقت وحتى قبل أن يغادر إلى استكهولم كنت كلما أزور السليمانية أطرق بابه دون موعد، وأدخل صومعته التي تليق بالمثقف دون ان يكون بيننا غير الحديث عن الثقافة وآخر إصدارته. وكنت أقول دائما لا احد من المثقفين العراقيين يسافرإلى كردستان دون ان يضع في حسابه أن يلتقي شيركو، فعبر الشعر كانت المواقف، وعبر العلاقات الشخصية كانت النوافذ إلى الثقافة الكردية، وعبر شيركو كنت أرى العراق كله، إذا لم أجد شخصية كسبت احترام المثقفين العراقيين كلهم مثل شخصية شيركو الشاعر والإنسان، فهو كأي مناضل ومثقف كان يضع في صلب اهتمامه ان يوصل معاناة الشعب الكردي عبر قصائده وعلاقاته ومواقفه.
أين موطن الحديث يا ياسين عن شاعر نذر نفسه للثقافة؟، هل تقول عنه أنه قيصر الشعر الكردي فهذا بحقه قليل، وان تقول عنه أنه أيقظ القضية الكردية عبر الثقافة فهو ورعيل من المثقفين الكرد كانوا عند مستوى مهمتهم كمناضلين شرفاء، وكانوا عبر القضية الكردية يجعلوننا نتلمس القضية العراقية، أم نتحدث عن دار «سردم» والأفق الذي فتحته للثقافة العربية: اصدارات لبعض الكتاب ومجلة باللغة العربية، وايد تمتد للمثقفين العراقيين ومساعدات تعطى لبعض الجرائد العراقية ومجلاتها، كل هذا وغيره تجده لدى المثقف الكوردي الذي لم يحصر وجوده ضمن قوميته ولا ضمن جغرافية كردستان ولا ضمن اللغة الكوردية، فقد كان شيركو نافذة مضيئة على الثقافة العراقية كلها، وشخصية يشكل حضورها في المؤتمرات والملتقيات ثقلا معرفيا وانسانيا.
وأين موطن الحديث يا ياسين عن شخصية مهمة انصرفت لقول الشعر؟، فكان منغمرا حد العبادة في تطويره وكتابة ما يليق بقضيته، ونافذة يطل منها على العالم، ويطل العالم منها على العراق، فقد كانت أشعاره ومواقفه خطابا ثقافيا عالي النبرة وصوتا قلما كان يتراجع عن اهدافه ومواقفه. وأين الحديث يا ياسين عن تيار في الثقافة العراقية كلها؟، تيار قلما توقف أو انحرف، وتيار يحمل نقاء الشاعر ونقاء مواقفه ونقاء صوته، ونقاء كردستان، وما كان له ان يكون كذلك لولا انه يعمل ويشتغل ضمن وسط ثقافي كردي محمل بالطيبة والمشاريع والقوة التي يرى أن القضية العراقية يمكنها ان تغتني وتقوى عندما يكون جزءا منها قويا وهو كردستان العراق.
وأنا أكتب هذه الاسطر من مكان هجرتي في هولندا، لم أصدق أن هذه القامة الشعرية قد غادرت، فما زلت أقول مع نفسي: انك ستجده يا ياسين في مقهى أو بار او غرفة ممتلئة بالكتب، ستجده هناك يدخن ويحتسي كأسه، ويكتب القصائد على ورق الموائد وذاكرة الاصدقاء. رثاء لقمتين