ادب وفن

نجوم أدب تتوارى / محمد علوان جبر

في ما يشبه الحلم، أو ما يشبه الدخول في طرق مغلفة بضباب بلا لون، رحل عنا وبتوال عجيب أدباء كبار.... فلك الدين كاكائي.. وشيركو بيكس.. حقا خسرنا علامات مهمة في مسيرة الادب العراقي الكردي.. إيقونات كانت ترسم مسيرة شعب.. بدءا من نضالهما الطويل ضد الديكتاتورية وكذلك صناعة أدب كبير.
في جلسة ضمتني مع نيرودا الكرد الشاعر شيركو بيكس.. وكان ذلك على هامش مهرجان المدى في اربيل.. قدمني إليه الناقد ياسين النصير.. كان ذلك لقائي الأول به.. قبل أن يعتلي المنصة في اليوم التالي.. ليقرأ قصائده بالكردية تارة وبالعربية المتقنة جدا تارة أخرى...
في أوج الحديث مع شيركو.. قال بما يشبه التنظر السلس.. أن ما يميز القصيدة.. ليس مضمونها.. بل الكيفية التي تكتب فيها.. يمكن أن يكتب شاعر عن أعمق وأقدس المسائل، لكنها لا تترك في متلقيها شيئاً يذكر.. في حين يمكن أن يتناول شاعر صوت الريح وهي تصفر بين الجبال.. أو حركة الأشجار.. أو صوت طائر.. لكنها تفعل الكثير وتترك في نفس متلقيها أثرا عميقا.. الشعر جمال سهل ممتنع.. ولهذا فهو أعمق من أن يوصف. لا أنسى حينما قرأ علينا قصيدة سماها بالنص المفتوح أو نص الذاكرة المكانية، وقرأ نصا بعنوان (الكرسي)، تحدث فيها عن تاريخ الكراسي مذ كانت أشجارا.. وتحولها من شجرة إلى كراسي.. وهي تنقل من مكان إلى آخر، من المقهى إلى البيت إلى المحل وهكذا وصولا إلى النهاية.. كان نصا لذيذا سلسا.. أحالني تماما إلى الدهشة في الشعر..
أما القامة الإبداعية الكبيرة فلك الدين كاكائي .. فقد ضمتني جلسة معه حينما كنا في مدينة عقرة ضمن أسبوعها الثقافي، إذ قدمتني إليه الشاعرة كلاله نوري.. بعبارة: (وزير ثقافتنا العتيد)، قال لا أحب أن أقدم لأحد كوزير، كم أتمنى أن أقدم بصفتي الحقيقية وهي أديب أو مثقف أو حتى صحفي، وأشار إلى مجلة ( جسر ) التي كان يرأس تحريرها.
كم كنت متواضعا وأنت تتحدث بحسرة عن مخطوطة روايتك الضائعة حيث أودعتها لدى أحد أصدقائك في كركوك والتي قامت زوجته بحرقها في تنور الخبز حينما سمعت أن بيتهم وبيوت الجيران عرضة لمداهمات العسكر!.
أحبائي، نجمتان كبيرتان مشعتان قررتا أن تتواريا بعيدا.. لكن سيبقى ارثهما خالدا.... وداعا لأهم علامات الأدب العراقي.