ادب وفن

الحياة بين الحقيقة والموت / زهدي الداودي

في كل خطوة تخطوها لمواجهه الموت، تجد نفسك خائر القوى يقتحمك النعاس. كل شيء يبدو لك في تلك اللحظات حزينا جدا، مقفراً، كئيبا، جامداً لا حياة فيه، تحس بنفسك قد انقطت عن العالم الخارجي وفي تلك اللحظة بالذات، تعرف أن الموت ليس مجرد مفردة اعتيادية كتلك التي يسمعها الانسان كل يوم ضمن أحاديث أو مناسبات مختلفة دون أن يتأثر بها. مفردة الموت تقترب من محتواها الحقيقي المرعب، ليس من الشخص المرشح للموت، إذ انه لن يدرك حقيقة موته ولن يصدقها أبداً، ذلك أن المناعة التي منحته اياها الطبيعة، أقوى بكثير من وعيه الذي لا يمكن أن يعيش تجربة الموت التي لا تختل? عن تجربة النوم، فالنائم لا يعرف متى بدأت عملية النوم. الفرق إذن بين الحالتين هو أن النائم حين يستيقظ، يعرف أنه كان قد استسلم للنوم بخلاف الميت الذي لن يستيقظ.
كما لا تهزك هذه المفردة حين تمس أنسانا لا تعرفه. بيد أنه، أي الموت، يتحول إلى شيء لا يمكن أن يوصف حين يواجهك مباشرة. إنه خنجر يتخذ طريقه إلى القلب دون أن يقتلك، ودون أن يخرج من هناك. وإن شاء له أن يخرج من القلب، فان جرحه لن يلتئم. إنه كابوس يجثم على صدرك ابداً.
إنه يفطر معك.. يتغدى معك ويتعشى معك.
إنه يتسلل إلى شرايينك وأعصابك ويمتص كل ما يقدمه الأطباء من العقاقير الشافية. إنه يتناوب معك ليلاً ونهاراً. لقد عذبك ستة أعوام.
وأدت بك العملية إلى إنهيارك التام. وازداد قلقك المشروع. كنت أحيانا فرحا مغتبطا، بيد أن مجموعة من الأعراض المرضية كانت تلقي عليك ظلالها.
هكذا كان يتعامل مؤيد الراوي مع الكلمة أو المفردة أو مع الفكرة التي تهبط عليه في منتصف الليل ويتساءل: لماذا اختارتني أنا بالذات؟.
كان مؤيد رساما بل رساما جيدا. طلب مني ذات مرة أن أصطحبه إلى طوزخورماتو، حيث منزلنا، كي يتمكن من رسم أزهار المشمش البيضاء الطاغية على أجواء خورماتو. اعتذرت متألما لعدم تحقيق رغبته مذكرا أياه مداهمة الشرطة لبيتنا قبل أيام قلائل. وكان أن سكت دون أن يشتم كعادته.
سيرة ذاتية
ولد مؤيد شكري الراوي في العام 1939 بمدينة كركوك . من أب عربي وأم آثورية.
شارك في الحياة الادبية والفنية في وقت مبكر، بانياً نفسه بنفسه كأي انسان عصامي.
أنهى دراسته الاكاديمية في دار المعلمين عام 1958 .
بعد تخرجه نسب إلى التعليم في ريف كوردستان وعين معلما في ناحية شوان. وراح يعمل بشكل جدي في مجال تحديث الشعر العربي وتطوير أدبه الواسع. وكان له الدور الحاسم في جمع كوكبة من مثقفي كركوك الذين شاركوه في مهمته، بيد أن انقلابيي البعث الفاشي، قطعوا عليهم الطريق وأرسلوهم إلى السجون.
سافر إلى الأردن ولبنان والتقى هناك بالمجددين من جماعة شعر. وعبر مشاركته المدروسة، تمكن من العمل في صفوف المقاومة الفلسطينية. وكان هذا يعني بالنسبة للمواطن العادي، رحى الحرب الأهلية الدائرة بين الجبهتين.
في العام 1980 تمكن من الاستقرار في المانيا حيث توقف قلبه قبل ايام عن الحركة.