ادب وفن

"بيكه س" لم يمت.. انه يحلم/ عبد المنعم الأعسم

شيركو بيكه س إنطفأ في المكان. في الحيز. في مكتب على تلة في مدينته التي عشقها، السليمانية.
إنطفأ في اعلانات النعي. في مواساة الاصدقاء ومحبي شعره.
لكنه لم ينطفئ في الصالة البلورية لمبدعي الكلام والمواقف والصور الأخّاذة. لم ينطفئ في ذاكرة ووجدان كل من قرأ شعره بلغته الكردية، او مترجما الى لغات اخرى. لم ينطفئ في حافظتي. فمن منا زار السليمانية وأفلت من بهاء حفاوته؟. جمعتنا مرة طاولة ليلية. كان محيي الدين زنكنة، الذي ترجّل قبلا يشكوه من عقوق الزمن، ويرد عليه شيركو بالدعوة الى الصبر.. والحلم.. كان آنذاك يحلم في مكان بعيد عن الطاولة، ربما في قلب وردة لا نراها. كان يغلق عينيه اكثر من مرة، ويعود الينا وهو يلهث كأنه قادم من سفر على طريق وعر.
شيركو بيكه س برع في محاكاة الموت، واشتبك معه في اكثر من منازلة، وهجاه في مواضع كثيرة حين كان يحصد ابناء وطنه، كردستان، الامنين، لكنه، الى ذلك لم يخصّ الموت بالخوف, بل ابتدع منه صورا تعبيرية غنائية من الحزن والعناد، واختزله الى رحلة او أغماضة عين او فكرة حالمة تتجول بين اليقظة والنوم:
أقل من غمضة عين.
أقل من نأمة حمل.
أقل من إرتعاشة ورقة.
لا نوم لي و لكنني أحلمُ.
المطر لم ينم ، و لم أنم.
سألته مرة، وكان في مكتبه في "سه ردم" ما تكتب الآن؟ قال قصيدة طويلة كتبتها واعيد كتابتها من جديد، وكأنني اكتب قصيدة جديدة. قال، احاول ان اتخلص من ضغوط الواقع الى جوهر الاشياء. وسألته: واليوم ماذا كتبت، او ماذا تكتب؟ قال: هل للنشر؟ قلت لا. فانصرف يتحدث عن فكرة لم اتتبعها جيدا. صافحته بمودة فرد علي بفيض من الحب، وبعد ايام قرأت له قصيدة، يقول في بعض ابياتها:
اليوم حررت اليد لكي تكتب الريح..
دون وصاية من هذا الرأس.
شيركو بيكه س خسارتنا فيك فادحة.. سنمر على مكتبك في سه ردم، وعلى طاولتنا الليليلة في نادي السليمانية، وسنبقى نتذكرك حالما.. وحيا بيننا.
****
" ذا اعتاد الفتى خوض المنايا ...
فأهون ما يمر به الوحول
ابو الطيب المتنبي