ادب وفن

زاهد محمد صرخة في كل زمان ومكان / محمد علي محيي الدين

زاهد محمد زهدي من القلة الذين جمعوا بين الشعر والنثر فهو شاعر باللغتين الفصحى والعامية وناثر أغنى المكتبة العربية بما قدم من بحوث رصينة هادفة ودراسته عن صناجة الشعر العربي محمد مهدي الجواهري تعد في المقدمة بين الدراسات التي تناولت هذا الشاعر العظيم، أما دراسته عن الملا عبود الكرخي فهي دراسة رائعة ممتعة تناول فيها جوانب كثيرة من حياة هذا الشاعر الكبير، إضافة لكتبه ودراساته الأخرى في الأدب والاقتصاد، وهو مناضل جاب السجون وأصبح شاعرها وتعرض للفصل والتشريد والضياع في صباه وعرك الحياة السياسية فكان في مقدمة مناضليها لم تثنه المصاعب أو تردعه الويلات فخاض معامع النضال غير هياب ولا وجل فكان علما بين أعلامها ونجما بين نجومها.
كتب الشعر الشعبي وكان في مقدمة شعرائه يردد شعره ويلهج بذكره حتى أصبح شاعر الشعب بلا منازع، و لازالت الكثير من قصائده طرية على الأفواه لأنها تعبر عن واقع ما زال ماثلا في الأذهان وقصيدته التي مطلعها:
صوت وانتخب وحدك بحريةْ ياهو اللي تريدهْ من الحراميةْ
صورة لما كان عليه العراق عندما قالها وما هو عليه الواقع العراقي الذي نعيشه هذه الأيام.
أما نشيده الذائع الرائع(هربجي كرد وعرب رمز النضال) فسيظل نشيدا وطنيا يرمز لعمق التآخي وقوة التلاحم بين العرب والكورد والقوميات المتآخية في العراق، وما أحرى بحكومتنا الماثلة أن تتخذه نشيدا يدعوا لوحدة الصف والهدف فنحن في وقتنا الحالي أحوج ما يكون لوحدة تجمع شتات ما تفرق.
وقصيدته المشهورة التي كانت ملهمة المناضلين للصمود والتضحية:
هذوله احنه هذوله احنه... تمعن شوف ذوله احنا
على تراب الوطن ياما... حضنا جروحنه وطحنا
وهذه الروح الوطنية استمدها من عائلة عرفت بعمق انتمائها الوطني فجدته الشاعرة قالت أثناء مواجهته في سجن نقرة السلمان قصيدتها المشهورة:
هـــلا بابني اليشــيل الراس طاريــه... لأجل عين الشعب عايف أهاليه
لأجل عين الشعب صامد لكل سجـان... يذكر يوم قيس وحازم وشمران
أريدنك تذلـــها لنكرة السلــــــــمان... مـــوش أبنــي لونك تخـلف النيه
كتب القريض فكان يذكر بين كبار الشعراء وقصيدته في رثاء ابنه (بختيار) تعد في مقدمة المراثي قي الشعر العربي لصدق عاطفتها وحلاوة ألفاظها وبيان معانيها وما فيها من صور جديدة مبتكرة، وفي شعره الاخواني الذي جمعه ديوان كبير كان المجلي في هذا الجانب فقد حوى الديوان من الصور ما لا يخطر في بال ، كذلك ديوانه حصاد الغربة الذي فيه ما فيه من أفانين البلاغة وروعة الأسلوب ودقة المعاني وديوانيه السابقين أفراح تموز وشعاع في الليل الذين يمثلان بواكير تجربته الشعرية.
ومن صوره المثيرة للانتباه قوله في مرثيته للراحل بختيار:
أقم بين أضلاعي، ولُح في نواظري... وخُذ من دموعي إن ظمئت لتشرَبا
ففي القلب "آهٌ" لو بسطتُ خُوانها... على مدِّ عمري لـــن تجوع وتسغبا
وفي الروح مرعى للهموم إذا ذوى... ومرَّت به ذكراك عـــــــاد فأعشبا
وقصيدته التي بارى فيها دجلة الخير التي يقول فيها:
أتيـــــت حوضـــك ظمــــأنا لتسقيني... يا كعبة الله يا مسرى الملايين
يا مهبط الوحي في أرض يضوع بها... ذكر العقيدة يزكو كـالرياحين
وقوله الذي لا زال معبرا عن واقع معاش:
مهلا فأيام الطغاة قصار مهما طغوا وتكبروا أو جاروا
وهو إذاعي ناجح بامتياز فقد كان الحجر الصلد الذي تتكسر عليه قذائف المهووس احمد سعيد يكيل له الصاع صاعين، فيفحمه بالحجة ويخرسه بالبرهان، وبرنامجه الشهير (غيده وحمد) الذي شد من خلاله الريف للإذاعة، إضافة لبرامجه الكثير التي قدمها من إذاعات الكويت وبراغ وأذربيجان وغيرها، فكان مميزا في كل ما قدم من برامج لامست الواقع العراقي وأسهمت في بنائه على أسس صلدة في الانتماء الوطني بعيدا عن الهويات الفرعية التي مزقته اليوم.
هذا شيء من كثير هذا الإنسان الذي كان محور كل شيء ولا زال يمثل شيئا في الذاكرة الشعبية وسيبقى ما بقي الحرف عنوانا للإنسان الساعي لهدف أسمى والعامل من أجل الجميع.