ادب وفن

الواقع والخيال في مسرحيات اليخاندرو كاسونا

محمد هاشم محيسن / عمار ابراهيم فتاح
الواقع والخيال مزيتان جوهريتان في معظم الأعمال المسرحية للأديب الاسباني اليخاندرو كاسونا, الذي تُرجمت بعض مسرحياته إلى اللغة العربية وعُرضت على خشبات المسرح العالمي والعربي على حد سواء في هذه الدراسة اخترنا ابرز ثلاث مسرحيات لهذا الكاتب لاجل بيان هذين العنصرين "الواقع والخيال" ولماذا يلجأ إليهما في أغلب أعماله الأدبية؟ وما المغزى من ذلك؟
المسرحيات الثلاث التي اخترناها هي "قارب بلا صياد" و"الأشجار تموت واقفة" و"ممنوع الانتحار في الربيع"، وقبل الحديث عن العنصر الواقعي والخيالي في هذه المسرحيات نعرج قليلا على كاتبها اليخاندرو كاسونا الإسباني فاسمه الحقيقي آليخاندرو ألباريس، واتخذ من اسم قريته: كاسونا لقبًا له ,ولد في منطقة استورياس شمال غربي إسبانيا عام 1903 وقد أمضى أيام طفولته بسعادة وانهى دراسته الثانوية بنجاح وحذا حذو ابيه في التعليم والتحق بمدرسة المعلمين العليا ثم درس في كلية الاداب والفلسفة في جامعة اوبيدو و تدرج في التعليم واصبح مفتشا عاما في وزارة التربية الاسبانية ومسؤولا عن التعليم الابتدائي وفي تلك المرحلة من حياته التي وصفها بأنها الافخر بالنسبة له.أسس مسرحا للأطفال ضم تلاميذه المتميزين، هدفه تقديم اعمال مسرحية تربوية خاصة بالاطفال. اضافة الى المسرحيات الثلاث التي ذكرناها.
لديه العديدة من الأعمال الأدبية، أبرزها:"البيت ذو الشرفات السبع" و"الشيطان مرة أخرى" و"زهرة الأساطير" و"سيدة الفجر" و"الكلمة الثالثة". حصل على جائزة لوبه دي بيغا الادبية وجائزة الأدب الوطنية عن كتابه "زهرة الأساطير".
شخوص مسرحياته أناس بسيطون من واقع الحياة وخارجها، يبتدع فيهم الخيال ويمزجه بالواقع للتعبير عن قوة الارادة دون أن يلجأ إلى تهاويل الخرافة أو يترك الخيال سارحاً منطلقاً بغير قيود.
في أعماله المسرحية تتشابك الأحداث ويمتزج الواقع والخيال وتتحرك الشخوص في بيئة غير واقعية و لا يمكن تخمين كيف تكون النهاية.
عاش اليخاندرو كاسونا في المنفى حاله حال الكثير من الأدباء والمثقفين الذين عارضوا السياسة القمعية والديكتاتورية التي انتهجها نظام الجنرال فرانكو اتجاه الشعب الاسباني على وجه العموم واتجاه المثقفين والأدباء على وجه الخصوص. وسطع نجمه في سماء المهجر وقضى قرابة خمسة وعشرين عاماً في المهجر فقد عاش في فرنسا والمكسيك وبويرتوريكو، وفنزويلا ثم انتقل الى الارجنتين واستقر هناك ثم عاد إلى إسبانيا في أوائل الستينات وتوفي في مدريد عام 1965.
قارب بلا صياد: مسرحية كتبها عام 1945 ذات ثلاثة فصول ترمز الى جشع ووحشية بعض التجار الذين يعملون أي شيء في سبيل المال والثروة.
في هذا العمل مزج اليخاندرو الواقع والخيال مزجا موفقا ومثل عنصر الخير بالناس البسطاء الكادحين من أجل العيش الكريم ومثل الشر بالشيطان. وابتدع الخيال من اجل الوصول الى نهاية واقعية.
أحداث المسرحية تنطوي على ما هو واقعي وما هو خيالي وتدور حول تاجر اسمه ريكاردو جشع يحتكر البضائع في السوق من اجل بيعها فيما بعد بسعر اعلى. وربح أموالا كثيرة جراء عمله هذا الا انه في احد الايام خسر جميع امواله في أحد الصفقات التجارية وأصبح مفلسا. تخلى عنه أقرب مساعديه وحتى خادمه وخطيبته، وفي أحد الأيام وبينما كان جالسا في غرفته وحيدا يفكر باستعادة ثروته الى سابق عهدها دخل عليه الشيطان متمثلا في رجل موشح بالسواد فقال له أنا سوف أحل مشكلاتك الاقتصادية و أعيد اليك ثروتك بشرط ان ترتكب اثما لم ترتكبه سابقا وهو القتل, ريكاردو لم يعر اهتماما لكلام الشيطان لانه ظن انه خيال يترواى له فتتشابك الاحداث بالخيال وبالواقع وبعد موافقه ريكاردو على الاتفاق، ترجع له ثروته، ولكن ضميره بقي يؤنبه على ما فعله فقرر ترك الثروة والمال من جديد واخذ قاربا واتجه نحو النهر للبحث عن القرية التي تعيش فيها عائلة الشخص البريء المقتول فوجدها عائلة فقيرة وزوجة المقتول كانت تعمل من اجل القوت اليومي للعائلة فقرر ريكاردو ان يبقى معهم ويساعدهم ليمحو ذنبه وتزوج منها وعاشوا حياة بسيطة وكريمة وتخلى ريكاردو عن حبه للمال والجشع واصبح انسانا محبا للخير ويساعد الفقراء في القرية.
الاشجار تموت واقفة: مسرحية كتبها عام 1949 ذات ثلاثة فصول ترمز الى قوة الارادة, فالأشجار رمز للبشر الذين يثبتون أمام عواصف الحياة حتى إذا انهزموا ماتوا وقوفا على أقدامهم. مزج اليخاندرو كاسونا الخيال والواقع في هذه المسرحية ليثبت ان السبيل الوحيد للتغلب على المصاعب هو مواجهتها مواجهة قوية وان الارادة تفعل المستحيل.
ان شخوص هذه المسرحية تنحدر من الواقع وتتحرك في بيئة خيالية غير موجودة.احداث المسرحية إنسانية وتنطوي على الواقع والخيال وتدور حول مؤسسة خيرية هدفها خلق السعادة. في أحد الأيام يلجأ إلى هذا الموسسة رجل عجوز يعيش مع زوجته لا يثيرها إلا فكرة انتظار حفيدها الغائب. هذا الحفيد طرده جده لانه كان يسرق ويرتكب الفواحش.
وكانت الجدة تحن إلى رؤية حفيدها الوحيد وتبكي كثيرا فزوجها لم يقدر على رؤيتها تذبل أمام عينيه وتعيش بلا أمل فابتكر طريقة لإسعادها، إذ اتفق مع صديق مقيم في كندا على إرسال رسائل تحمل اسم الحفيد الغائب ويكتب فيها إنه أصبح شابا ناجحا وودّع حياة اللهو. فعادت الحياة تدب في أوصال الجدة فكانت تسارع في الرد على الرسائل. وفي أحد الأيام وصلت رسالة من الحفيد نفسه يعلن فيها عن قرب عودته إلى المنزل ففرحت الجدة. أما الجد وقع في حيرة لان الخطابات المزيفة كانت تقول إن الشاب أصبح مهندسا وتزوج.
في نهاية المسرحية تكتشف الجدة وبعد عشرين عاما من الانتظار أن الأمل الذي عاشت من أجله كان غير واقعي وان جميع تلك الخطابات كانت مزيفة غير واقعية وان حفيدها الحقيقي بقي سارقا ومجرما.
ممنوع الانتحار في الربيع: مسرحية كتبها عام 1937 ذات ثلاثة فصول ترمز الى البحث عن السعادة وانقاذ حياة البشر من الانتحار مزج فيها اليخاندرو عنصر الواقع مع الخيال لاجل التغلب على مصاعب الحياة ورفض فكرة الانتحار.
تدور أحداثها حول طبيب ينحدر من عائلة وقد انتحر أخوته في ريعان شبابهم، وقد أكتشف الطبيب إن موعد الانتحار يكون في الربيع دائما، فقرر تأسيس مصحة طبية صغيرة في سفوح الجبال يجمع فيها جميع اولئك الذين يريدون الانتحار للاستماع الى مشكلاتهم والدوافع من وراء الانتحار. وقد استطاع ان ينقذ اروح الكثير من الذين كانت لديهم فكرة الانتحار فكان يقول لهم لماذا تختارون الربيع موعدا للانتحار فالربيع هو فصل الحب والسعادة وجمال الحياة وكان في كل جلسة علاجية يقنعهم ويجلعهم يؤجلون الانتحار و في نهاية المطاف تمكن من انقاذا حياتهم. في هذا العمل مزج الكاتب الخيال مع الواقع واعطى له دورا بارزا لخلق فرصة العيش والتمسك بالحياة ورفض الخضوع لمصاعب الحياة وقسوتها.
في نهاية العمل يكتشفُ أولئك الأشخاص أخطاءهم ويرفضون الخضوع إلى الانتحار ويتفاءلون بجمال الربيع وحب الحياة.