ادب وفن

نزهة في شوارع القاص احمد خلف المهجورة .. القسم الثاني والأخير .. / حاورته: أفراح شوقي

في مجموعتك القصصية "خريف البلدة" انتقلت الى الرمزية في التعبير عن مكنونات نفسك الى الحد الذي بدت فيه ادانة للنظام السابق والغريب ان المجموعة نشرت في زمن النظام السابق .!!. بماذا تفسر هذه الاشكالوية في التعامل مع النصوص التي تنطوي على موقف مغاير؟ هل كان هناك قدر من الحرية ام عدم تدقيق او لماذا؟
- امتازت (خريف البلدة )عن سواها من مجموعاتي القصصية الأخرى, في أنها أخضعت العديد من الأساليب السردية الأخرى لصالحها , والحق , لم تقتصر نصوصها على النهج الرمزي كما اشار السؤال بل نستطيع ان نعثر على اتجاهات متعدده اذ لم يغفل ناقدها الادبي حيازة الاسطورة مثلا على مساحة بينة من مساحة القصص , وكذلك نجد التاريخ قد لعب دورا بارزا جدا في قصة (لعبة شطرنج) وهي أطول القصص في المجموعة وانا احسب ان الدوافع الخفية للاستخدام متعددة الاساليب , هي دوافع هيئتها تباين الرؤى والرغبة الحقيقية للتجديد في طرح نماذج مغايرة للذي كان سائدا في تلك السنوات ,من قصص وروايات, لذا اعطى المؤلف اهمية خاصهة للتقنية والتجويد وبالوقت نفسه جاء المضمون موازيا للفن, وأننا نكون مجافين للحقيقة اذا قلنا بما اسماه السؤال بـ ( عدم تدقيق ) والمراد به الرقيب الأدبي في ذلك العهد, فقد كان الرقيب الادبي وهو نفسه رقيب سياسي ايضا , يتمتع بوعي خاص والرقيب في ذلك الوقت, كان نوعان الاول سياسي وربما كان حزبيا اورسميا وملكيا اكثرمن الملك وهذا الرقيب لا حوار معه , اما النوع الثاني فقد كان بينهم شعراء بارزون وقاصون وروائيون يتمتعون بوعي تجاه النص , يهمهم, ليس بدافع وجود قدر من الحرية بل لانهم ايضا وفي احيان اخرى , يرغبون ان يقرأوا نصوصا يتباهون بها امام الكتاب العرب دائمي المجئ الى بغداد, وخريف البلدة التي وصف النقد الأدبي قصصها بالشجاعة والمتميزة, ظهرت في ذلك الظرف العصيب وقد تم تجاوز منعها اولا لتمتع المؤلف بحظور ادبي لايمكن نكرانه, ثم كان رقيبها خبيرا ثقافيا وليس رقيبا مما جعلها في حماية وصيانة من التفسير المتعجل الذي اساء للثقافة والادب في العراق .
مر الأدب العراقي بمرحلتين فاصلتين هما مرحلة الاحتلال ومرحلة ما بعد الاحتلال وأنت كتبت اعمالا في كلتا المرحلتين.. ما هي خصائص المغايرة بين المرحلتين؟
اذا اردنا محاذاة الجانب الموضوعي, والتخلي عن الدفع العاطفي في تفسير وتوضيح العديد من الظواهر الأدبية والإبداعية, ينبغي لنا ان نقر ان لكل عهد من العهود التي مرت على العراق وقد عاشها الاديب ودفع ثمنا لبقائه هنا ولم يغادر, فاننا سنقر ان لكل عهد من هذه العهود جوانب سلبية واخرى ايجابية وعلى سبيل المثال , فيما يخص الكتابة الابداعية, فان هذا العهد ينطوي على قدر ملموس من حرية التعبير, كنا نحلم بذلك القدر المطلوب التعامل به انذاك, ولكن كنا نتعامل مع رقيب واحد وقد يبدو متشددا دائما لكنك تستطيع اللجوء الى من يجيز النص ولو بالواسطة اما اليوم فاننا قد نواجه اكثر من رقيب واحد, ورقيب الامس يمكن ان تراه اما اليوم حيث لارقيب رسمي على النصوص القصصية والروائية فنحن لا نراه لأنك تستطيع أن تكتب (خلاف فيما سبق ) في السياسة والجنس والدين أيضا ( ولو بنسبة معينة لم تكن موجودة فيما سبق هذه الحرية النسبية) فان الكثير من الاساليب اختفت وبرز الاسلوب الواقعي وحده تقريبا لان المبدع لم يعد يجد ثمة ضرورة الى التواري خلف الاستعارات والمجازات, وبقدر ما أضرت هذه الحريه النسبيه اليوم , لكن المبدع بات لايخشى الرقيب الذي كان بمثابة تهديد دائم لحرية التعبير التي كان يفتقدها انذاك.
هل تؤمن بمقولة أدب الخارج وأدب الداخل وماهي نظرتك للمقولتين, علما انهما سادتا بعد عام 2003؟
- أعتقد أن من أشاع مقولة ادب الداخل وادب الخارج, هو النقد الادبي المولع بالمصطلحات والعبارات الرنانة الطنانة وقد وجدت لها صدى مناسبا لدى جمهور المثقفين العراقيين (هنا او هناك ) ولكن حتى اليوم لم يتفق النقد الادبي او من هو معني, بالتاريخ الادبي للمثقفين والكتاب في العراق على تعريف شاف وكاف لمعنى المقولتين, وظل المعنى موزعا بل يمكن القول انه الان يعتبر من المقولات المستهلكة, والذين أشاعوها في فترة ما كانوا مستفيدين منها, اما الآن فلم يعد لها اي تأثير لأن أغلب أدباء الخارج أصبح باستطاعتهم المجيء الى هنا بكل يسر وسهولة, اذاً هي من حيث وجود ملموس قد ضعفت جدا جدا, وعليه ماعاد باستطاعة مستثمريها الترويج لها كما كانوا من قبل ولقد سبق للمتحدث هنا ان طرح رايا لقي الكثير من العناية والاهتمام لجدية هذا الراي الذي يقول بضرورة الاحتكام الى النص الادبي وعدم النظر الى الجوانب الاخرى، فالاحتكام هذا يمكن ان يعتبر محكا وايضا اساسا للتعامل مع الادب والثقافة, التي تنتج داخل البلد او خارجه .
هل انصفك النقد الادبي؟ وكيف تنظر الى العلاقة بين الناقد والمبدع الان؟
- يطلب البعض من المبدعين قصاصين وشعراء من النقد الادبي, اشتراطات فوق طاقة النقد اي انهم يريدون من الناقد ان يتحول إلى داعية لهم من خلال ما ينتجه المبدع, وهذا أمر ينطوي على عدم إنصاف للناقد, لان الأخير لابد ويكون له مشاريع ثقافية اخرى وعليه ينبغي على المبدع ان يتفهم طبيعة العلاقة التي من الضروري ان تتشكل بينهما, اعني بين الناقد والمبدع, وان هذه العلاقة ستظل نسبية في العديد من جوانبها يحكمها قانون الجدل المعروف في الفلسفات الحديثة والتي تؤكده النظرة العلمية للأشياء, وإذا توصلنا إلى استنتاج من هذا النوع اعتقد اننا سنوفر على انفسنا المزيد من راحة البال وهدوء النفس الذي نحن بحاجه ماسة له, هذا هو فهمي للعلاقة بين المبدع وزميله الناقد , ولا ينكر ان النقد الادبي في العراق قد عانى كثيرا من تبعية غير معلنة للنقد الادبي العربي ( سميت في حينه بعقدة الخواجه) الا ان النقد الادبي, تجاوز الكثير من فوضاه وقد تخلص العديد منهم من تلك الفوضى , وكان للدور الذي لعبه الراحل الدكتور علي جواد الطاهر ومجموعة من مجايليه كـ عناد غزوان وجلال الخياط ثم جاء الدور المهم للنقاد الحديثين أمثال فاضل ثامر وباسم حمودي وعبدالجبار عباس وناجح المعموري وفاضل التميمي وحسين سرمك, وجميل الشبيبي وعبد علي حسن وغيرهم اخرون كثيرون وهؤلاء قد تيسرت لهم فرصة الكتابه وشرفوني بدراسة معظم ما كتبت من قصص وروايات, وبعضهم تناول ابداعي السردي بكتب مستقله وهذا وحده يؤكد صحة وجهة نظري التي ترى من الضروري ان يعمل المبدع بصمت, وسوف يجد الكثير من الاراء تقف الى جانبه.
أي عمل قصصي أو روائي من اعمالك له قصة معينة او يمثل حالة واقعية مررت بها؟
- معظم ما كتبت من قصص وروايات, يحمل حصة كبيرة من الواقع اي ينطوي النص الذي انتهي من انتاجه السردي على حكاية قد اكون انا صانعها او شاهد عليها او رويت لي بالمصادفة العفوية , غير المخطط لها والكثير من هذه النصوص الروائية والاخرى القصصية , لعب فيها الخيال دورا ملموسا ومؤشرا , على سبيل المثال في آخر رواية لي: الحلم العظيم والتي هي تؤرخ لإحدى المراحل التاريخية التي مر بها العالم العربي وكذلك العراق, وهو الحذو حذو الثورة الكوبية وما أنتجته من نظرية خطيرة في مفهوم الثورة العالمية وهي نظرية الكفاح المسلح, والغاية من هذه النظرية هو إسقاط السلطة, وعلى غرار كاسترو وجيفارا سلك فريق من الحزب الشيوعي العراقي في النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين , وكنت احد الشهود القريبين من هذه الحركة التي قام بقيادتها مجموعة من الطلبة والعمال والشباب ولعل من ابرزهم هو المناضل العراقي المعروف خالد احمد زكي , سكرتير براند رسل , هذه الحركة التي واجهت أشرس هجمة رجعية انذاك وجدت نفسي اكتب عنها روايتي (الحلم العظيم), وبعد اكثر من ثلاثين عاما , ولنا أن نسأل: ماذا بقي في ذاكرة المبدع وما هي نسبة الواقع وكذلك الخيال, هذا أمر اتركه إلى ما تقدمه الرواية من قناعات لقارئها, غير أن الرواية في الأخير انطوت على قصة معروفة للكثير من أبناء جيلنا.