ادب وفن

الحنين المانعَ للصدأ في نصوص الشاعرة وفاء الربيعي / خليل مزهر الغالبي

في قرائتي لنصوص الشاعرة العراقية المغتربة – وفاء الربيعي – أطلت علينا الشاعرة متشوفة ومتشوقه ومنشدة لحلمها،والمتمثل بحنينها الممتد على جسد قصيدها الشعري لأشيائها الجميلة بماهيتها ووجوديتها،وهو ذلك الحق الطبيعي في جمالية الحياة والانسان،بمعنى الحلم الغير متعالي عن طبيعة ناسها،لكنه المتعالي والرافض للردائات الحاصلة هنا ،والهناك أيضأ!،وكما تتجلى في دعوتها لجمالية أنسنة الواقع الحياتي ،وهي دعوات نقدية عالية تكرسها الشاعرة في ثيم نصوصها وبما يمنح الخطاب الأدبي المحاكي للأخرين ضروراته المنشدة له،وبمشابهة مقاربة لنقدية لوكاتش في الوجود البشري وبناءه،ومن تشوفاتها المتأملة للأشياء،لتمثل ذلك المتن الشعري لفرضيات ماثلة لذلك النشيد المتواصل الذي رسمته مكنونات مكوناتها الشعرية واقامتها وفق معادل حياتي رافض للصدء ومانع له ،الصدء المستهتر وهو يغطي جميع موجودات الحياة،وكما هو المرئي الواضح في حنين الشاعرة في عبورها لغناء الروح واشياءها البعيدة والممنوعة من التصرف،وهذا ما نلاحظه في مشروط دلالات استعمالاتها اللغوية وتاكيدها المخاطب للقاريء ،كما في لفظ كلمة "لازمن" في تسمية قصيدتها " بحث في لازمن" بعدم مثولية العشق في الزمن هذا كمانع صعب للآتي والمرجو ،وكما في محدد ومطلب نوع العشق" عراقي" وهو العشق الكائن تحت شجرة النارنج وعلى سطوح المنازل الآيلة للسقوط " ...
ابحث عن عشق عراقي
ينمو تحت ظل شجرة النارنج
على سطوح منازل ايلة للسقوط
لتروح الشاعرة عابرةٌ في الكشف والتصريح عن مواصفات هذا العشق وبالمجازية المتلائمة في تعبيرها اللغوي...
(هل مد اصابعه ليوقف الموتَ المتواصلَ للعشق
ابحث عن عشق ينمو في النهر
يصير مصباحا في عتمة الزمن
شراعا حين يعلو الموج
فرحا لما خلفه العاشقون على سواحل منسية
مطرا يغسل حزني
ويدعوني لرقصة على
شرفة الذاكرة)
وقد حددت وعاينت الشاعرة الاصطفافات المكانية لوجودات هذا الحب والمحددة بالكلمات(النهر،الموج،السواحل ،المطر الغاسل للحزن ،ورغبتها للرقص في اطلالة شرفة ذاكرتها،كحسٍ متصاعد لذلك الحب المنتظر .
وفي نص اخر " الرغبة" وهو مسمى دال على تمسك الشاعر بالحلم والحب والحنين...
تحيلُني الرغبةُ الى طفلٍ،
وانا اعانقُ الكتابةَ،
اتشبثُ باللغةِ، في فضائها،
لا احظى في احايينَ كثيرةٍ الا بمكابداتها
وهنا راحت الشاعرة للمسك بكائنها اللذيذ والعذب وهو اللغة الشعرية الملبية لبوح ورسم هجسها واختلاجاتها الراغبة في تنطيق دواخلها المحبوسه والغير قابلة للظهور...وكما في ايحائية البوح لقصيدة "المسافات"
تمتدُّ المسافاتُ,
تطولُ الارصفةُ،
أبحثُ عن ظلِّي،
هلْ هو معلقٌ
في حدقاتِ مدنٍ تركتُها خلفي؟
ويمكننا من قراءة اللامرئي في مثول كلمة الحدقات والمدن التي تركتها خلفها،وهي مدنها العراقية الباعثة لذلك الحنين المتجسد بقوة في نصوص تجربة الشاعرة،هذا المدن التي تحلم الشاعرة في المسير لها ،هي مدن لم تزل جاثمة بسيف الحجاج واصحابه الحاضرين الان من حكام عقارب،كما في أتي القصيدة...
أبحثُ عن تلكَ المدينةِ،
ما زالتْ ترتعشُ من سيفِ الحجاج،
واحفادِه،
تلدغُها العقاربُ من ذاتِ الجحرِ مراتٍ،
ومرات،
كأنَّها اللعنةُ تمتدُّ لتفتكَ بها ،
ويتضح لما مضى لها من زمنية الاشياء والمكان وهي تَقولْ وتوصِلْ شكوى حنينها للمتلقي، وهوالحنين المنتشر في حياتها التي كانت،وكما في القول...
أبحثُ عنْ أشياءٍ ألفْتُها،
كانتْ باسقةً تنظرُ الى الارضِ من عليائِها،
اما في القصيدة المعنونة " ادوات الاستفهام" وهي عتبة لنستعمل اللغة الموظفة في النص،من نحو لغوي وقواعد بتوظيف شعرية متناسق مع مستعمل حالات النحو اللغوي ومحاكاتها الشعرية،كما في اتي القصيدة المذكورة..
ظانة بأني ارطب حروفها
لكنها ولدت ممنوعة من الصرف
واهمة وانا انتظر ملاكا في تلك الزوايا
يفك سلاسل العمى من عيون المنصوب عليهم...
وتتم بوضوح التمثلات الفنية للغة ولعنونة القصيدة "ادوات الاستفهام" في حيرة تنوع اسئلتها في الجملة "كيف ولماذا ومتى"
وكان لقصيدة " ليلُ الشِّتاءِ لا يُحتمل " الاكثر تجلياً لمثيرات ذلك الحنين في نصوصها...
تتعمقُ الغربةُ
تستأصلُني الرغبةُ
لجلسةِ سمر
او دفءِ صوبةِ علاء الدين
ورائحةِ الخبزٍ المحمر
او البلوطِ المشوي على نارها
شخيرِ ابي المتعب
ويتضح في ما في الكلمات من هجس روحي رغبوي لجمالية البساطة لما مضى والمتمثل في الكلمات في القصيدة "جلسة سمر،صوبة علاء الدين،الخبز المحمر،البلوط الشتوي ... وشخير ابي المتعب" وهي ملفوضات تومي لاطمأنان النَفَسْ وسلامتها وبساطتها وجمالية صدقها ، هذه المواصفات النفسية لمطلبية المخلوق البشري،قد خلعها الزمن العراقي الحاضر من ديموته،وهو الزمن المهدد للانسان واشياءه وحقوقه كما يتجسد من مظاهر الارهاب الدموي والفاسد كما في قول الشاعرة ...
ضاعَ المكانُ والزمان
لم نعدْ نسمعُ غيرَ كلماتِ الموت
لا نجدُ منْ نبيحُ له باسرارنا
كي لا يُسمع الالمُ المستعصي في قلوبنا...
ولشدة الحنين الممتد على نصوص الشاعرة – وفاء الربيعي -،يمكن ان نحدد الهم المستأصل في ذاكرة ومخيال الشاعرة،وهو الهم الغير مفارق لرؤاها الشعرية لما فيها من لهفةٍ لملاقات اشياءَها الجميلة التي عاشتها وتأملتها وتذكرتها لتسطرها انساق شعرية بملفوظات متجانسة وملبية لمضمون النصوص،والماثلة في صنيع معظم تجربتها الشعرية المتماهية مع حياتها.