ادب وفن

أسئلة في البعد السياسي لمعادلة التظاهر والإصلاح

أ.د. عامر حسن فياض
عميد كلية العلوم السياسية/ جامعة النهرين
هل التظاهرات هدف ام وسيلة؟ وما هي أسبابها وتوقيتاتها وضمانات الاستجابة لها ومراحل تلك الاستجابة؟ تلك أسئلة وربما تتفرع عنها أسئلة أخرى بحاجة الى إجابة.
التظاهر في ابسط معانيه، ومن حيث المبدأ، هو حق من حقوق التعبير عن الرأي والأخير (الرأي) يعرض ولا يفرض، وهذا الحق اذا كان مضمونا بدستور ومنظما بقانون وممكنا بمؤسسات سيكون حقا مسموحا التمتع به وممارسته، وفي هذه الحالة سيكون التظاهر وسيلة لتحقيق هدف وليس هدفا بحد ذاته، أما إذا كان هذا الحق غير مضمون دستوريا ولا منظم قانونيا ولا ممكن مؤسساتيا فان التظاهر سيكون حقا غير مسموح التمتع به وممارسته وفي هذه الحالة سيكون التظاهر هدفا بحد ذاته.
ولما كان التظاهر في العراق يمثل حقا دستوريا مسموحا التمتع به وممارسته فانه وسيلة لتحقيق هدف وليس هدفا بحد ذاته، بيد ان هذه الوسيلة يتم التوسل بها لتحقيق هدف أو أهداف تصب بالتالي في التغيير والأخير على مستويين: الأول تغيير جذري، والثاني تغيير إصلاحي.
والهدف المطلوب من وسيلة التظاهر في العراق هو الإصلاح، فما الإصلاح؟ وما هي أسباب التظاهر من أجله؟
الإصلاح تقويم اعوجاج وتصحيح مسار، أما أسبابه فهي كثيرة تتلخص في جملة مشكلات أبرزها (عجز خدمي – عوز تشريعي – عبث بالمال العام والأمن العام – عقم إنتاجي – عوق مؤسساتي – عرج معرفي وعمى بالأولويات).
من المسؤول عن هذه المنزلقات وتلك الانحرافات والاعوجاجات؟ انه النظام السياسي برمته زيادة على المؤثرات السلبية الخارجية الإقليمية والدولية.
والحقيقة ان مؤثرات الخارج السلبية الإقليمية والدولية ستكون مؤثرات متغولة إذا كانت مؤثرات الداخل العراقي السلبية متغولة أصلا. بمعنى أدق ان قوة وتغول مؤثرات الخارج السلبي تتأتى من مؤثرات الداخل العراقي، الأمر الذي يجعلنا نفكر ونعمل من اجل معالجة منزلقات وانحرافات واعوجاج مسار النظام السياسي ومسؤوليته في الإصلاح فما الذي نعنيه بالنظام السياسي؟
النظام السياسي يعني السلطات الثلاث ومؤسساتها (التنفيذية – التشريعية – القضائية) وهي سلطات متمتعة بالشرعية من حيث القبول بالانتخابات بيد أن هذه الشرعية تحتاج إلى اكتمال واستكمال ومواصلة بالمنجز لان الشرعية تقوم على ركنين: ركن القبول بالانتخاب، وركن تواصل القبول وعدم انقطاعه بالمنجز، وهذا يعني ان استمرار شرعية هذه السلطات تتوقف على المنجز، ومن هنا تأتي ضرورة الإصلاح المنشود من خلال ورقتي الإصلاح الوزاري والبرلماني، وهناك ضرورة لان تقدم السلطة القضائية ورقتها الإصلاحية ايضا.
وبكل الاحوال فان المطلوب هو استجابة النظام السياسي للمطاليب الإصلاحية، فما هي الاستجابة وما هي مراحلها؟
الاستجابة بدأت ولا نقول تحققت لأنها تتوزع على مراحل خمس متعاقبة هي: مرحلة الاستماع للمطاليب، مرحلة الوعد بالاستجابة للمطاليب، مرحلة اتخاذ القرارات الإصلاحية، مرحلة تنفيذ القرارات الإصلاحية ثم أخيرا مرحلة تلمس نتائج الإصلاح، وحتى هذه اللحظة فإن الجهازين التنفيذي والتشريعي يقفان عند المرحلة الثالثة (مرحلة اتخاذ القرارات الإصلاحية).. ولا ينبغي التطير من استمرار ومواصلة التظاهر لحين استكمال مراحل الاستجابة، غير ان استمرار هذه التظاهرات ينبغي ان تؤطر بالانتباهات والتنبيهات الآتية بالنسبة للمتظاهر والمستجيب معاً:-
- ان كل انجاز اصلاحي يحتاج الى ثلاثة مستلزمات هي القدرات (المادية والبشرية)، الحلول المدروسة، الارادة السياسية الشجاعة، والأخيرة لم تكن حاضرة غير انها أصبحت حاضرة لأن مصادر حضورها وقوتها توافرت وهي مصادر ثلاثة تتمثل بـ:
* الإرادة الشعبية المدنية (المتظاهرون).
* دعم ومباركة المرجعية الدينية الحكيمة.
* مصادقة ممثلي الشعب المنتخبين (مجلس النواب).
كل ذلك يدعو المستجيب الى ضرورة الاستجابة للمطاليب وامامه فرص ذهبية للإصلاح وعليه عدم التفريط بها.
- ضرورة حذر ويقظة المتظاهر والمستجيب من فقدان بوصلة التظاهر المتمثلة بـ (محاربة الفساد والإرهاب معا) لأن مناهضة الاصلاح تخدم الارهاب ولكن ليس من الصحيح أنه وبحجة اولوية مكافحة الارهاب لا تتم الاستجابة للمطاليب، كذلك ليس من الصحيح انه بحجة الاستجابة للمطاليب أيضا يهمل او يتجاهل المستجيب والمتظاهر مكافحة الارهاب.
- ضرورة التذكير والتذكر لدى المتظاهر والمستجيب أن بوصلة التظاهر (مكافحة الفساد والإرهاب معا) تعقبها بوصلة الإصلاح والمتمثلة بـ (بناء الدولة لا تدميرها وأنسنة الدولة لا شيطنتها).
- ضرورة الانتباه الى أن موانع الاصلاح شرسة ومتنفذة فالخشية كل الخشية من الخبث النائم للمتضررين من الاصلاح وهم كثر سواء من الداخل او الخارج غير ان موانع الداخل العراقي امام الاصلاح هي اقوى من موانع الخارج العراقي أمام الإصلاح.
- من غير الصحيح القول ان المطاليب الاصلاحية جاءت ابتداء بفعل المرجعية الدينية الحكيمة لأنها حقا جاءت ابتداء بفعل مطاليب الارادة الشعبية المتمثلة بالمتظاهرين والمدعومة من قبل المرجعية الدينية الحكيمة، علما ان الاخيرة كانت دائما مخرجاتها ناصحة وقد اصبحت هذه المرة اكثر من ناصحة فهي مخرجات داعمة للمطاليب ومنذرة للمستجيب بضرورة الاستجابة.
- حذار من العدمية والاطلاقية في المطاليب لأنها تؤدي إلى تعجيز المستجيب، يقابل ذلك حذار من الحلول غير المدروسة والتباطؤ في تنفيذ الحلول المدروسة، على سبيل المثال من الخطأ القول ان الدولة فاسدة والصحيح القول ان هناك فسادا في الدولة، ومن الخطأ القول ان الحكومة فاسدة والصحيح القول ان هناك فسادا في الحكومة، ومن الخطأ القول ان البرلمان فاسد والصحيح القول ان هناك فسادا في البرلمان، ومن الخطأ القول بأن القضاء فاسد والصحيح القول ان هناك فسادا في القضاء.
- حذار من خدعة التوازن بوصفها حلا إصلاحيا لأنها ليست أكثر من تقنين للمحاصصة الطائفية والسياسية التي تتعارض مع الأوراق الإصلاحية، كذلك حذار من إعادة إنتاج التنصيب بالوكالة بوصفها خطوة إصلاحية لأن الاستقرار الوظيفي يحقق منجزا، وعدم الاستقرار الوظيفي لا يحقق بل يعرقل المنجز.
- أخيرا هناك ضرورة لاستكمال حزمة الإصلاحات البرلمانية من خلال إضافة أو إدراج قانون حرية الاجتماع والتظاهر المطلوب دستوريا حسب المادة 38 والعمل من اجل تشريع قانون يجرم الطائفية ويحرمها دينيا ويؤثمها شعبيا وغضّ النظر عن إصدار قانون الحرس الوطني وإخراجه من أولويات حزمة الإصلاحات البرلمانية.
• انطلقت مركبة الإصلاح ولا تراجع عن مسارها، ان كانت تتقدم أو تراوح، بيد ان الخشية كل الخشية من فقدان المصلح لوقودها النقي (المتظاهرون من أبناء كل الشعب) وخسارته لداعمها الحقيقي (المرجعية الدينية الرشيدة)، فالاثنان معا يشكلان القاعدة الشجاعة للحكم الصالح.
• ولقلة سالكيه من الحكام لا لقلة طالبيه من الشعب فان طريق الإصلاح، كما هو طريق الحق، يبقى طريقا وعرا يحتاج إلى إرادة قيادة صالحة من جهة، ودعم قاعدة شجاعة من جهة أخرى، فإذا كان لحركة الإصلاح رأس صالح فهذا الرأس الصالح بحاجة إلى جسد شجاع، وان شرعية الحكم الصالح لم تعد في عالم اليوم والغد، قاصرة على ركن القبول بالانتخابات فقط بل تحتاج إلى البقاء والاستمرار والديمومة اعتمادا على ركن المنجزات ايضا.
• ان مطالب المتظاهرين تتمثل بتقديم الخدمات ومحاربة الفساد ودحر الإرهاب والجريمة، وان هدف الإصلاح يتمثل ببناء الدولة لا تدميرها وانسنتها لا شيطنتها. وفي سياق الاستجابة لمطاليب المتظاهرين فان الأمر لا يحتاج الى تفويض من احد غير الدستور والأخير لا يقف حائلا أمام رئيس مجلس الوزراء بسماع هذه المطاليب واتخاذ قرارات إصلاحية وتنفيذها لسد العجز في الخدمات ومحاربة العابثين بالأمن العام والمال العام من إرهابيين وفاسدين.
أما في سياق بناء الدولة وأنسنتها فان مجلس النواب مسؤول مسؤولية مباشرة عن سدّ العوز التشريعي من خلال سنّ القوانين الأساسية لبناء الدولة ومراقبة تنفيذها، كما ان السلطة القضائية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن حسن تطبيق القانون بلا تردد وبلا خوف وبلا تباطؤ وباستقلالية تامة، وهكذا فان الإصلاح الحقيقي يحتاج من السلطة التنفيذية حُزما من القرارات الإصلاحية وحَزما في تنفيذها، ويحتاج من السلطة التشريعية حُزما من القوانين الدستورية وحَزما في مراقبة تنفيذها، ويحتاج من السلطة القضائية حُزما من إجراءات الإصلاح ذاتها وحَزما في تطبيقها.
• ان من يطالب بضبط إيقاع التظاهرات والمتظاهرين عليه ان يضبط إيقاع الإصلاحات وترتيب أولوياتها، فمثلما ان أولويات المتظاهرين معلومة وشفافة فان أولويات الإصلاح ينبغي ان تكون معلومة وشفافة في اتخاذ القرار الإصلاحي وتنفيذه وتلمس نتائجه.
• ان الحاكم الصالح لا يطالب المواطن ان يكون مساندا فقط لقراراته حتى لو كانت صالحة، بل يطالب من المواطن ان يكون شريكا مشاركا في صناعة قراراته، ودون ذلك فان المواطن اما ان يكون معارضا أو يكون خاضعا، وفي الحالتين سوف لا يكسب المصلح إلا المتشفين بفشله والمتطيرين من إصلاح أحوال الناس.
• ان الإصلاح لا يتم بما هو مقرر فحسب، بل بما هو متحقق أيضا وعلى المصلح ان يظل بحاجة إلى متظاهر يسانده بالمتحقق ويطالبه بتغيير المتحقق من قراراته.
• يدرك كل عاقل انه ليس بحجة المطالب المشروعة للمتظاهرين تتوقف المخاوف المشروعة للمصلحين (مثل المخاوف من تمدد الإرهاب وشراسة الفاسدين) وفي الوقت ذاته يدرك كل عاقل أيضا انه ليس بحجة المخاوف المشروعة تتوقف التظاهرات، لأن معركة الإصلاح هي معركة تحرير وتغيير معا.
• الإصلاح ليس الهوس في تقديم وعرض قرارات حُزم إصلاحية، بل في المتحقق مما هو مقرر في هذه الحُزم. فنسمة من إصلاحات متحققة خير من حزمة إصلاحات غير متحققة.