ادب وفن

ما كنت أحسب أنك ستنام! / صباح محسن جاسم

قبل عام فجعنا برحيل مرتكِب "كلمات .. سأتركها على الأرض"، الشاعر المتمرد - حسين السلطاني - كتب في الأساطير البابلية وعمل في الإعلام في أكثر من فضائية.
المفارقة الغريبة بسبب من شح الماء في مدينته الإسكندرية حمل " برميلا" كي يملأه بماء ناظم من نهر الفرات.
ما أن حاول الوصول الى الماء حتى أمسكت به كهرباء قابلو قطع بسبب الاهمال .. مما أودى بحياته.. ورجع برْميل الماء فارغاً الى الدار!
فاصلة:
نصح الشاعر في دفتي مجموعته اعلاه :
أيها القارئ نرجو منك :-
•• الاغتسال فور الانتهاء من قراءة النص بالماء الساخن والصابون.
•• يمنع لمس المفردات لأي سبب كان.
•• يستثنى من التحذيرين أعلاه الموتى والمجانين
فاصلة ثانية "نص آخر"
اتبعْني أعطك فلس الذهب
أعطك بلعوم الأغنية
أعطك نترات لتشطف وعكات الخيال
اتبعني أرق لك ... كذلك الأنثى وجراد قميصها
كذلك قلبي وامعائي الدقيقة.
ويقرأ أيضا :
وجهي لي، ووجهك لك ... وكل عبارة صفراء هي حمامة الكتابة
تهجي "دادا" وأنت تنتهك في المساء مستخدما بصلة ومذياعا يسرد الأمنيات.
لو تنام ...
يا صاحب الجمل القصيرة والسن المسوّس
/ الليل الذي يلمك نجومه عسكرية/
وأنت بلا أب ..ولا أم .. بلا عامل يديم كلامك
ولا طاه يخلصك من عظام الورطة، ولا فلفل لتثير عطاس الحديقة.
ثم قرأ من "نتوءات تقع إلى الشرق من ظلي"
نتوء أول :
تطلعت في وثن ، تطلعت بخفة لحديقة ربتها انسلال الهواء، تطلعت لظل مريض وبقيت قريبا من وعكات اللغة ، فجاء في آيتي أن السحاب أمعن في كراسي الهواء ، وأنني تسللت خلسة وفي يدي سمكة نقشتها على المساند راكبا مهجة الشمس وقارئا لوح الحقب بربيع أصلة فقريات وغبار ، هذا لأنني نملة تشك بفساد عظامها وتنام بلا سعادة.
وقد استعان الشاعر ببعض عبارات من " النفري " كما في نتوئه الثالث :
/ غراب ويكتمل الخراب/
/ الحادثة كنا كمينها/
يسترسل الشاعر متذكرا : حكايات جدتي .. كان هروبا في مغزاه ، ففي الصيف حيث تجلس أمي في " المكسر" ماسكة - مهفة للهواء - بيدها. كنت قد سألتها : هل صحيح اننا سنموت يا جدتي ؟
كان جدار بيتنا طينيا مبنيا من - اللبن الممزوج بالتبن - رحت أبكي وأنا أقشط بأظافر يدي القش الظاهر من على الجدار الطيني .. وحتى اللحظة اتخيل كيف أن ملك الموت يظهر لي مرتديا ثوبا من القش معتمرا عمّة جدتي.
عارجا على أهمية موضوعة وضع الطفل في سياق حضاري جديد ومدى أهمية رعاية الطفولة تأسيسا لمستقبل واعد صحي.
من استكشافات الشاعر انه من خلال تجريبه السفر الى مناطق الآثار والأساطير قد وجد منطقة الأسطورة ذات طاقة روحية عجيبة بثراء من نصوص اسطورة الخلق البابلية. اذ يتوفر خيال شعري ثر. فقد ترك لنا الأنسان القديم نصوصا شعرية كبيرة جدا منها قصص الحوارات.. مثل ملحمة جلجامش. اذ على الشاعر أن يتعالق مع تلك العوالم بسبب من الاتصال بروح مهوسة ينجم عنه نص مثقف حيث تثار أسئلة كثيرة عن الوجود والعدم والحياة . لقد بدأنا بدورنا نفلسف تلك الأسئلة.
أنت حر في تجنيس بنية النص. حصل نوع من الفيوضات ولا استغرب وجود حس سردي في القصيدة.
كذلك القرآن الكريم ففيه كمية هائلة من الشعر. القرآن أعجازي بمعنى الكلمة بغض النظر عن الجانب العقائدي.
ومن نص خارج المجموعة بعنوان" كاف.. يا وتري أنا المقهور بك حسين السلطاني" نقرأ:
كاف ... يا وتري
"نص البديعة"
أنا المقهور بكِ حسين السلطاني
* * *
ناولني كأسا من مياه الشعير
قبل أن أذرف بقيتي في حضرة الأمير
* * *
أفك أساوري من يدهِ
أندهُ الرمان عليه لأعود بتفاحتي
يا أمير ... طفولتي نسيتها هنا
خذ ْ قماطها
خذ ْ دلال أمي ومياه حلمتها
خذ ْ كنوز خيالي وما في جيوب الطفل
خذ ْ ولا تأخذ معانيها
بريقة طفولتي
شجرها سقيم وجوعها شديد
بريقة هي .. لا عنب فيها ولا ماعون
صبر الجمال هي
كوزها صحراء وأرانبها قاحلة
أمي فتكت بشمالها
وأبي دشن جنوبها بالهلاك
بريقة ٌ ... لامعة ٌ... لازوردية ٌ .. طفولتي
فمن باعها لكم يا أمير ؟
فاصلة ما قبل الأخيرة :
عام 2010 في 20 كانون الثاني كتب الي: " نحن الذين فرقنا المياه لننقذ الغرقى".
خاتمة: احتفاء بمجموعته الثانية تحدث الى الحضور - متنبئا -!
" هاجس الموت يتملكني. الشاعر هو طفل يخشى أن يموت حتى وإن بلغ عامه الستين. سؤال الموت سؤال محيّر وخطر جدا. هذه الأسئلة الكبرى هي التي تصنع النص"
* * *
- ما كنتُ أحسَبُ انك ستنام! -
الى من ومض كالبرق ... فعاد
حسبتُك هنيهة تنام
الثائرُ البريّ ،
آسرُنا بشَهدِ عينيك وغنيّ الكلام
تتسامى ...
تبْرقُ قصيدتُك الأخيرة
فتغفو لا كسائر الأنام
رفيقُ دربِ الشعرِ
مستجيراً عند ضفةِ الفرات
يومَ اهتز الموجُ بعالي الدهشةِ
فاحتج عشبُ روضِك
حتى تهالك، ثم غاب
لم نعهد ان السندبادَ قد عاد،
ازارُك ، بساطُ الريح
وقارورةٌ خاوية الآ من ذكرى رفاتِك
الفاتنات يغازلن ضفافك
حتى يضجُّ هدوء الفرات!
يا جزّارة السماء الوديعة
يا من تغدرين بنا دون سابقة
هل ما تزال المركبةُ يعوزُها السابلة
إلآ من العراق!
امهلينا ان نكونَ او لا نكون
وان نحتسي كأسَنا اليتيمة
لنحييّ اولادَنا الأعمق حزناً،
أصدقاءَنا في رحلتهم الأثيرة
لا بأس ان يحتفي دودُ رمسِنا
ويتظاهر بالوعد في غياهب الهضاب
ليأكلَ منّا القلبَ واللسان
وليتركَ عظامَ حروفِ صداقتِنا
لآلئ مينائنا
فما لنا سواها من كتاب
ايتها الحوريات
اتركن الكسالى
وخذن وعداً من فارس الثمار
فالشاعر لما يزل يستظلُّ بجريدته المحظورة
ويقرأ هازئا حول اخبارِ السذّجِ الحمقى
وجداولِ الرواتبِ الملغومةِ والكهرباء
يا لمهمة الشاعر !
للموتِ يبني القرار
حيثما الغاوون يجنون الزهورَ
والحياةُ ترقى على عادتها
وليَسقطَ من علّ
قاتلو الشعرِ
وحاجبو المطر المدرارِ
على غرارِ قهقهة الزلزلة
ايها الحاجّون
هلموا مجتمعين نثقبها
لننزلَ انهارَ الانتشاء
ومزّةَ الأعنابِ ، والليمون والتفاح
هيّا ننفخ في صحرائنا
نجتثُّ خطلَ الوعود
ونترجم للعرائشِ كما احتسبنا ..
قد آن للصحو آنَ أن يعود
فلا اصلح للبقاء من عشّاقٍ
ينجبون الآ
الشعرَ
وضفادعَ مشاغبة
بنقّها المجنون
بعد سباتْ..