ادب وفن

فكتور بونين : صلحي الوادي موسيقار عربي كبير كنت سعيدا بالعمل معه / عبد الله حبه – موسكو

رغبت في الحديث مع عازف البيانو فكتور بونين الاستاذ في كونسرفتوار موسكو بعد ان علمت انه عمل 12 عاما في دمشق مع الموسيقار العراقي صلحي الوادي مؤسس المعهد العالي للموسيقى. فأردت أن اعرف منه المزيد عن شخصية الموسيقار العراقي الكبير الذي يطويه النسيان في زماننا البائس. ودعاني بونين الى بيته ذي الطراز الانكيزي بضواحي موسكو، حيث يعيش بعيدا عن أضواء المدينة . وكنت قد سمعت عزفه مرارا في الحفلات الموسيقية التي يقيمها في صالات المدينة.
ودار الحديث بيننا في البداية حول الموسيقى الكلاسيكية الروسية التي اكتسبت سمعة عالمية منذ القرن التاسع عشر، حين برز نجومها من جماعة " القبضة الجبارة" وهم جلينكا وميللي وبالاكيريف وريمسكي – كورساكوف وكيوي. وقد
اطلق عليهم هذه التسمية الناقد الكبير فلاديمير ستاسوف في مقالته حول "الكونشرتو السلافية" لبالاكيريف. وجاء في المقالة :" ما أكثر الشاعرية والاحاسيس والمواهب والقدرات لدى جماعة صغيرة لكنها قبضة جبارة ". ويعتقد بونين ان المدرسة الموسيقية الكلاسيكية الروسية حديثة العهد نسبياً قياساً الى المدارس الاوروبية الأخرى.
وقد تطورت الموسيقى الروسية بسرعة بعد ظهور جلينكا مؤسس المدرسة الموسيقية الوطنية الروسية . وبعد "القبضة الجبارة " ظهر بيوتر تشايكوفسكي خريج كونسرفتوار بطرسبورج، الذي استخدم في اعماله العناصر المميزة للفولكلور الروسي. وشارك مع نيقولاي روبنشتين في تأسيس كونسرفتوار موسكو. علما ان جميع الموسيقيين الروس كانوا من كبار عازفي البيانو . لكن تشايكوفسكي انصرف الى التأليف ومارسه اكثر من العزف ، كما تولى قيادة الاوركسترا.ويلاحظ ان التركيز جرى في البداية على أعمال الاوبرا التاريخية حيث يكون لصوت المغني الدور الرئيسي مثل اوبرا " بوريس غودونوف" وكذلك على الاعمال الفولكلورية مثل مقطوعة " شهرزاد" لريمسكي -كورساكوف. وانتقل الملحنون فيما بعد الى الاهتمام بتأليف الاعمال السيمفونية والكونشرتو.
وبعد تشايكوفسكي ظهر جيل جديد من الملحنين بينهم رحمانينوف وتانييف وسكريابين وميسنر وسترافينسكي ومن ثم بروكوفييف وشوستاكوفيتش. فقاموا بتطوير الموسيقى لاحقا وادخلوا الكثير من عناصر التجديد في التأليف الموسيقي - المودرنزم . علما ان رحمانينوف إلتزم بالواقعية بينما جنح سكريابين الى المواضيع التي تجمع ما بين الخيال والموسيقى بأسلوب هارموني متميز. وعمال تانييف في مجال التأليف وفق المواضيع الكنسية.
وبرأي بونين ان الملحنين المعاصرين يحاولون ابتكار موضات جديدة هدفها اثارة الجمهور لكنها في الواقع تكرار لما وجد سابقا. وفي الحقيقة حسب رأي المؤرخ الموسيقي سيانوف فان الموسيقى بلغت مرحلتها الاخيرة من تطور الحضارة حاليا. ولا يوجد أي شئ جديد.
وقال بونين عن فترة عمله في سورية انها كانت مترعة بالانجازات وأهمها تأسيس المعهد العالي للموسيقا الذي كرس له الموسيقار العراقي صلحي الوادي كل جهده، وكان سعيدا بالعمل معه. وخلال هذه الفترة كان بونين يقدم الحفلات الموسيقية في دمشق وبيروت وعمان. وعاد الى موسكو في عام 2003.
وبرأيه ان الفقيد صلحي الوادي (1934-2007 ) كان فنانا كبيرا وله الفضل الاول في نشر الثقافة الموسيقية في بلاد لم تعرف الموسيقى الكلاسيكية العالمية من قبل. علما انه تأثر كثيرا بالموسيقى الكلاسيكية الروسية واحب عزف اعمال تشايكوفسكي ورحمانينوف وشجّع على سفر الشباب السوريين الى موسكو للدراسة في معاهدها الموسيقية. وقد برز من بينهم فريق من الموسيقيين السوريين مثل غزوان الزركلي الذي شارك في مسابقة تشايكوفسكي الدولية.
وقد جاء صلحي الوادي الى دمشق في عام 1960 بعد تخرجه من الاكاديمية الموسيقية في لندن برفقة زوجته الانلكيزية عازفة البيانو سينثيا. فأسس اولا مدرسة الموسيقى، ومن ثم المعهد العالي للموسيقا في مبناه الجديد الذي شيد خصيصا لهذا الغرض. كما أسس اوركسترا من عازفين سوريين واجانب بينهم روس. وانضم اليه لاحقا الكورس من المغنين السوريين. وقد عمل صلحي الوادي على تطوير الموسيقى في العالم العربي في أعماله السيمفونية العديدة بخلق الانسجام بين قواعد الموسيقى الكلاسيكية وعناصر الموسيقى العربية من حيث الايقاع والمقام. وأدخل لأول مرة الاوبرا ضمن نشاط فرقة الاوركسترا حين قدم اوبرا "ديدو واينياس " في مدرج بصرى الاثري. ويمكن القول انه لو وجد موسيقيون آخرون بمستوى صلحي في العالم العربي لكانت الموسيقى العربية قد ارتقت الى ذرى كبيرة واكتسبت صفة عالمية. علما انه مارس التأليف وقيادة الاوكسترا بعزيمة لا تفتر بالرغم من كافة المصاعب التي مرت في مرحلة تأسيس المعهد الذي يحمل أسمه حاليا. وتواصل مسيرة والدها ابنته همسة الوادي عازفة البيانو التي تعرفها صالات الموسيقى في العديد من العواصم الاوروبية.