ادب وفن

أختي منى مسعود.. في مناسبة الثامن من آذار / مقداد مسعود

احتملت الكثير، وتصدت للمصاعب وغارات النظام بقلب متماسك، تفتح الباب لهم وحين يسألونها «عنها»، تخبرهم: طردناها من البيت، فكيف يشك رجال الامن بها ولا أحد يعرف انها هي؟، كان ذلك في 1979 في محلة نظران.. ليلتها ستغادر هي وامي الى بيتنا الكبير العريق في مناوي باشا.. بداية انغماري في القراءة وشرائي الكتب، كانت وهي طالبة تستعير لي الكتب من مكتبة اعدادية العشار للبنات، تأسست 1943، قرأت ثلاثية نجيب محفوظ وكل روايات عبد الحليم عبدالله.
ورثت أختي من أبي عشق الخياطة واتلفت اقمشة خالتي الانيقة، ثم صارت خياطة ماهرة، ورغم مهارتها في الخياطة فلا تخيط لغير عائلتنا، حين كنا في بيتنا الشاهق الكبير بغرفه الواسعة وتعددانا السكاني الذي تجاوز الخمسين فردا: أمي وأخواتها. خمس عشرة غرفة بعضها بسقوق ثانوية تنافس ديكوات الآن..
في عاشوراء يتحول الحوش الى حسينية لمدة أربعين يوما.. وفي الحوش نفسه تقام ليلة حنة بنات الجيران..
في حرب إيران تحول بيتنا الكبير الى «وكر فراريه» لنا ولأولاد الاخوال والاعمام، وكانت اختي عمتهم وخالاتهم.. تحلق لهم شعورهم بالمقص والمشط وماكنة الحلاقة.. وفي الوقت نفسة كانت تضع العباءة على رأسها وتقصد قرية ام النعاج نحو بيت المناضلة خديجة عبد العزيز والمناضل حسين حاجم لتسلمهما البريد الحزبي وآخر اخبار الحزب.. ويومها كان اسم اختي واسم خديجة على قائمة المطلوبات للسلطة لكنهما لم يتوقفا عن محبة الحزب، فقد حولت المناضلة خديجة عبد العزيز بيتها وكرا للشيوعيين المطلوبين للسلطة. خديجة التي كانت والشهيدة عايدة ياسين في نفس الخلية.... وكانت مغامرة اختي الأصعب يوم اصطحبت امي في 1981 وقصدت سجن ابي غريب في يوم مواجهة السجناء لعلها تعثر على اخي محمود مسعود الذي اختطفوه من الشارع في 17/ 10/ 1980.. وستعودان، الاخت والأم منكسرتان وستموت الام بالحسرة القلبية... وفي شهر مايس من سقوط الطاغية يسعى كل منا بحثا عن المغيبين.. وحدها منى مسعود تعود بقائمة رسمية للمعدومين الشيوعيين، فيها اسم القاضي وتوقيع الطاغية وفي الرقم 33 : محمود مسعود محمد/ تاريخ تنفيذ الاعدام 8/5/ 1983.. ماتزال بزيها الاسود منذ 1979 وتناضل في حضرة زهرة الرمان ولم تتوقف. فكيف لا أبوس رأسها كل صباح وكفيها.. وهي أمي الثانية!؟