ادب وفن

تمهل زهير تمهل / ناصر حسين

تمهل زهير ، لماذا تعجلت .. وودعتنا؟ زهير تمهل، فـ "الشاكرية" مازالت هي الشاكرية وما زال "عبد" حاديا للكادحين. وها هو شعبك الذي احببته وكتبت له وغنيت له وامضيت السنين الطوال بين ظهرانيه ، ما زال كما عرفته شجاعا مقداما يرفض ان ينام على ضيم، يملأ الشارع هذه الايام بشيبه وشبابه متظاهرا ضد الفساد والفاسدين المفسدين لنظام الحكم وجهاز الدولة، ضد المحاصصة الطائفية العرقية التي جاءنا بها بريمر لنكتوي بنارها التي لا ترحم مولدة الازمات الواحدة بعد الاخرى.. ما زال ينتظر منك شقيقة لـ "عبد" و "الشاكرية".
الشاعر والكاتب ابو هدف- زهير خزعل الدجيلي زهير عرفته منذ العام 1963 – قبل نصف قرن من الزمان- عندما كنا سجناء في سجن بعقوبة وفي حجرة واحدة حتى تم نقلنا الى سجن الرمادي في 18/12/1963 لنمضي سوية العام 1964 فيه.
زهير كانت امه شاعرة وقد اكد لي أكثر من مرة انه عرف الشعر واحبه من تلك الوالدة الحنونة الشجاعة.
حكى لي مرة انه اعتقل في مركز شرطة الناصرية قبل حلول احد الاعياد ببضعة ايام وكان الاتهام الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي. وفي صباح يوم العيد وكان يتوقع قدومها الى مركز شرطة الناصرية كان لديه هاجس ان تقوم بتقريعه. الا انها بددت تلك الهواجس ما ان فتح باب الحجرة التي اعتقل فيها، فقد صك اسماعه صوت امه المدوي وهي تهز الباب الخارجي وتتطلع نحوه، تدك الارض باقدامها وهي تنشد شعرا تخاطبه فيه:
"نذرتك للشعب يبني" .
زهير تزوج عام 1956. توجه وخطيبته الى دار العدالة لتوقيع وثائق عقد قرانهما، وقد تفاجأ السيد القاضي عندما سألهما عن "مقدم المهر" فأجابا سوية "دينار واحد". وضع القلم امامه وسألهما : ماذا تقولان؟
- دينار واحد.
كرر القاضي السؤال: ماذا تقولان؟
- دينار واحد. لماذا تستغرب يا حضرة القاضي ؟ نحن لا نمزح وهذا ما اتفقنا عليه. في المحكمة وامام القانون مقدم المهر: دينار واحد. اما في البيت فالأمر متروك لنا. طبعا لن نتوسد الارض ولن نغفو على التراب.
وقد اكد لي زهير ان الشهر الذي شهد عقد قرانهما سجل في المحكمة اكثر من مائتي زيجة كان مقدم المهر فيها جميعا دينار واحد.
زهير شهد مقاومة الشعب العراقي لانقلابيي شباط الفاشست عام 1963. وقد خص جماهير الشاكرية التي اقامت متراسا على الشارع قبالة محطة السكك العالمية للتصدي لدبابات الانقلابيين القادمة من معسكر ابي غريب، والتي لم تستطع التقدم نحو وسط العاصمة بغداد الا بعد تدمير صرائف اهل الشاكرية التي كانت تشكل حيا كاملا حيث مرآب العلاوي الحالي.. تدميرها تدميرا كاملا. خصها بقصيدته المطولة التي تمجد تلك المقاومة البطولية لابناء الشاكرية وفي المقدمة منهم البطل الاسطوري لتلك المقاومة "عبد" .
اسمعني تلك القصيدة عندما كنا في سجن بعقوبة ويؤسفني انني لم احفظ منها غير مطلعها:
يالشاكرية سنين توعة ابصيحة
اودم البواري والكصب بي ريحه
يالشاكرية مشكرة ابغضبة عبد
نقلنا الى سجن الرمادي كما ذكرت وفيه سمح لنا بمقابلة عوائلنا. وفي احدى المقابلات كانت قد حضرت السيدة ام هدف لمقابلة زوجها وكانت المقابلات تتم عبر السور .
بعد انتهاء المقابلة وعودته الى القلعة التي كنا فيها ومعنا ايضا الرفيق صاحب السيد جليل الحكيم ، لاحظت ان زهير كان مكتئبا. استفسرت منه فاخبرني ان ام هدف لا يوجد لديها مكان تأوي اليه.
تحدثت عن ذلك مع الرفيق صاحب الحكيم فاجابني فورا وطلب من مني ان ابلغ زهير بان بيت عائلته مفتوح لاستقبالها وعلى الرحب والسعة، وانه في المواجهة المقبلة سيبلغ عائلته لاصطحاب ام هدف معها. وعندما حل موعد مقابلة العوائل اللاحق وحضرت الاخت ام هدف لمقابلة زهير ابلغته بان الامر قد حل من قبل والدته التي قامت بنقلها الى الناصرية لتسكن معها في بيتها.
زهير غادر العراق كما غادرته الالوف من بنات وابناء الشعب العراقي ويبدو لي ان العدد تجاوز المليون حاليا بعد التهجير القسري للمسيحيين وسيطرة داعش في عدد من المحافظات العراقية وتنكيلها الوحشي بالايزديين والهجرة الحالية للشباب العراقي، لتواجه الاغتراب في مختلف ارجاء الكرة الارضية من استراليا الى السويد الى كندا والولايات المتحدة ومن هناك ظل زهير يخاطب شعبه، ينشد له وللحزب ايضا.
أعزي الشيوعيين العراقيين بوفاة الشاعر والكاتب زهير خزعل الدجيلي كما اعزي رجال الفكر والادب وكان زهير واحدا منهم. والتعازي الحارة لأم هدف وهدف وافراد العائلة جميعا.
«مقتطفات»