ادب وفن

أطوار الغناء الريفي في جنوب العراق.. وحكاية طور الصبي / حامد الحيدر

ارتبط الغناء الريفي في جنوب العراق ارتباطا وثيقاً بالبيئة التي احتضنته بسهولها وانهارها واهوارها. حيث ان الطبيعة الفريدة في جنوب العراق لا نجدها في اي بلد آخر والتي كان من اهم عناصرها الاهوار، تلك المساحات المائية الممتدة عبر آلاف الكيلومترات المربعة، ميزت انسانها بنمط حياتي معين اجتماعياً واقتصادياً، لذا نجد الصورة والمفردة الشعرية في الاغنية الجنوبية واصوات المغنين قد تكيفت مع تلك البيئة وصارت معبرة ومنسجمة مع ايقاع الحياة العام فيها. اذ أن الحياة الهادئة البطيئة الايقاع لا بد ان تخلق ايقاعاً بطيئاً انسيابياً في الموسيقى والنغم، تختلف عن ايقاع صخب الحياة في المدينة، ولابد لهذه الطبيعة الجغرافية ان تخلق نغمة ممتدة مع امتداد الهور والذي لا ينتج الكثير من الترددات الصوتية. سميت المقامات الريفية في جنوب العراق ب(الاطوار) ومفردها (طور)، وهذه الكلمة جاءت من كلمة (دور) وجمعها (ادوار) وتعني المقام والمقامات، كما ورد ذلك في كتاب (الادوار) لصفي الدين الارومي البغدادي (العصر العباسي).. لذلك فان الاطوار الريفية تعني الادوار او المقامات الريفية... والاطوار الريفية في جنوب العراق كثيرة ومتعددة، تم تقسيمها الى ثلاثة أقسام : القسم الأول/ الأطوار الريفية التي سميت بأسماء الأشخاص، وتضم الأنواع التالية : طور العنيسي، طور الأميري (الظفيري)، طور الجادري، طور الزايري، طور الطويرجاوي، طور المشموم، طور المحبوب، طور الحميدي، طور مسعود العمارتلي، طور الجبهاني، طور حسين سعيده، طور النوري، طور العياش، طور السرحاني، طور العبودي، طور سعدي الحلي، طور الصيهودي، طور شويشة الحادي، طور عيسى حويله، طور جويسم وكريري، طور جبير الكون (النجفي)، طور المثكل ( المثجل)، طور جعفوري، طور سلمان المنكوب، طور هاني الشموسي، طور نسيم عودة. القسم الثاني/ الأطوار الريفية التي سميت بأسماء العشائر والقبائل، وتضم الأنواع التالية : طور المحمداوي ويشمل... طور المحمداوي الدارج، طور المحمداوي (ذب)، طور المحمداوي (الميهونة)، طور المحمداوي الواجف (الكحلاوي)، طور المحمداوي الموال (الفالحية)..... طور الغافلي ويشمل... طور الغافلي الدارج، طور الغافلي الحياوي، طور الغافلي المياحي.... كما يلحق بهذا النوع من الاطوار... طور الصُبيّ، طور السويطي، طور الحليوي، طور العلوانية، طور العراكي. القسم الثالث / الأطوار الريفية التي سميت بأسماء المدن والقرى : طور الشطراوي، طور الحياوي، طور المجراوي، طور السوگاوي أو طور الونين ويعتبر طور الصُبيّ من اجمل اطوار الغناء الريفي العراقي، والذي يتميز بنغمته الحزينة وطابع الشجن الذي يغلب عليه، ويُقرأ بمقام النهاوند او العجم والنهاوند كما ورد في بعض القراءات... وقد سمي بهذا الاسم (الصُبي) نسبة الى اول شخص غناه، وهو من طائفة الصابئة المندائيين الساكنين في سوق الشيوخ في الناصرية.. ولهذا الطور حادثة طريفة ادت الى ولادته وانتشاره في أوساط الريف العراقي.... حيث يقال.. ان هناك رجلا صابئيا مندائيا يدعى رومي سبهان البريجي من اهالي سوق الشيوخ كان يعمل حدادا.. في يوم من الايام الخوالي امر شيخ كبير من شيوخ المنتفج سابقا (الناصرية حاليا)، هو الشيخ ناصر باشا السعدون ان ياتوه بشخصين من غير المسلمين ممن لا ينظمون الشعر ولا يجيدون الغناء.. وتم اختيار داوود اليهودي وسبهان البريجي المندائي، حيث امرهما الشيخ ان ينظم كل منهما بيتا من الابوذية وان يغنيه خلال نصف ساعة والا فان عليها ترك المدينة والرحيل عنها.. فانشد داوود اليهودي قائلاً... الناس اهل المثل كًالو معادين (معادن) انخلكًنا وللتراب احنه معادين (راجعين) شيوخ المنتفج صاروا معادين (اعداء) يباشا ادخيل عندك حّن عليه وقبل ان تنتهي النصف ساعة ونتيجة لحالة الخوف التي كان يعيشها سبهان في تلك اللحظات، انطلق صارخا بشكل عفوي (اويلي) التي اصبحت العلامه المميزه لبداية غناء الطور الصُبي. ثم انشد قائلا.. اويلي يباشا الوكت شوف شلون علباي (عال بي) وجثير من العلل بالكًلب عالباي (عله بي) يتخيلي يكص السيف علباي (رقبتي) شيخلصني لون تغضب علي واكملها ب (أيويلي) آخر جلد لاجن جفاني اليوم جلداي (صبري) وحل اليوم بين الخلك جلداي (جَلدي) أغني لو يذر الشيخ جلداي (جـِلدي) لو امش وتظل داري خلية وهكذا انقذ رومي نفسه واعلن عفويا عن ولادة طور جديد يضاف الى اطوار الغناء الريفي. وقرأ طور الصُبي الكثير من المغنين، منهم.. جبار ونيسه وحسن داوود وطالب السامرائي وعبد الامير الطويرجاوي وحسين نعمه... واحسن من اجاد هذا الطور وابدع وتميز فيه هو المطرب الراحل رياض احمد