ادب وفن

شاعر محشود بالغياب / كاظم غيلان

كل فجر نعيش بثائر
كل حرف يولد الشاعر
حته الاطفال ابسوالفنه زلم
.. وهكذا ولد زهير خزعل محسن بصرخة حتماً كما ولدنا جميعاً ولامست جبهته الطفلة تربة المدينة– الضفة الاولى واعني الناصرية. فكانت ام زهير وهي قوالة شعر تهزج للوطن يعرفها مناضلو المدينة قد اسهمت بهذا الوليد الذي بدأ الشعر يسري بدمه منذ مطلع شبابه. ولأن الشعر حسب الشاعر ييتس: "دم وخيال وفكر تتدفق معاً"، كان انتماؤه الاول للانسان وتطلعاته وفكره العلمي التقدمي مبكراً.. كيف لا؟ وهو المولود على ارض مدينة الشهيد فهد.. فكان على موعد مع الفجر مثلما كان لفجر الشعر موعد معه، وكان الفتح النوابي قد سبقه فتلاقفه بفطنة العارف الماهر غير المقلد الناسخ، ولفحته سموم رياح منفى "السلمان" الصحراوي مبكراً لتعتمل في دواخله اسئلة الغياب واقتراحات الحضور الجمالي:
آه.. لو شوكي جزة وتاه ويه نسمه
وآه.. لو صيف العمر ما ينطي لزمه
والهوه ادواغ الحبايب يا طيور الطايره
اعذيبي يغفه اويه الكصايب يا شمسنه الدايره.. وسلميلي
ولأن الافق الصحراوي المفتوح يعلن عجزه ازاء رؤى الموهبة الجمالية، وتهلك كل تفاصيل حدوده الصارمة القامعة،يشمخ المقموع منشداً بقوة الجمال:
السمه مصحيه وصحيت آنه كمر
وكلب الحديثه مثل شاطي ونهر
جايل زهير قامات زاهية في ساحة القصيدة العامية العراقية، الا انه ولفرط غنائيته منح لنفسه ذلك الخصب والشفافية العالية والمعرفية الفذة في تركيبة ما يكتب من شعر، فهو ليس بالناظم الرتيب الخاضع لسلطة الملحن ورغبات المغني الباهتة، لذا كان مفرداً مغايراً يوميء لجهة الغياب ويستدعي المحطات التي تلاقفته:
يا وحشة الملهوف ويدوّر هله
ويا وحشة الما يوصل الديرة هله
وبذلك الاصرار والعناد الذي هو مزيج تجربة المناضل الشاعر يصدح:
كالولي: كلك حيل والهم ما يمض بيك
وكالولي: كل الليل يلتم ما يطفيك
المتن الحياتي لشاعر مثل زهير يمنحه طاقة التجدد الذي يعينه في البوح عن كل تفاصيل وجزئيات اليوم الشعري بوصفه هماً.. يخترق بقامته الطرية "عكد الهوه" ولربما بملامسة نسمة آتية من فراته العذب تراوده الاسئلة مرة اخرى ليلتفت بحياء الشاعر الجنوبي العاشق معيناً حبسته متسائلاً:
هلج وين ينجوى؟
شاعر عاشق مثل زهير يحيله الواقع المرير ومتغيراته بسائر انكساراته وانتصاراته لضفة الوطن الذي احب، ولمجمل قضاياه العالقة في اهدابه حتماً ينشده مبصراً عن قرب.. ولربما عن بعد:
شفتك تمد ساريك
تتباهه بيه اشراع
وشفتك تضمني خبر
بسكوت....
لا ترضه حته اوداع
يا عيني يا ... وطني
لا اريد ان ارثيك زهير وانت الذي تبعث الحياة في قلب اليأس ولكن ما بيدي من حيلة لأنني:
البارحة
صوتك اسمعه ايعتب امن بعيد
اسمعه امنين؟
اصيح منين؟
ولا شيء..
لا شيء تماماً في ذروة هذا القهر النبيل سوى ان اقول وبيقين العاشق:
الحكومات لا تستحي من الشعراء
فلتستحي الملائكة لأنها اقرب إليهم.