ادب وفن

مسح ضوئي.. قطط كامو / مقداد مسعود

ماالذي جعلني في مثل هذه اللحظة العراقية الموقدة؟!
ماالذي جعلني أعود إلى ألبير كامو ،وتحديدا الى روايته (الطاعون) ؟! رغم إنشدادي إلى (أعراس) و(السقطة ) و(الموت السعيد) و(الإنسان المتمرد) وقبل سنتين كررت قراءتي الى دفاتر كامو الثلاثة ،فكامو من الكتّاب السحرة ، لايثرثر مثل هنري ميلر ، بل يطوف حول موضوعته ويصطحبك معه فتشعر بسعادات شتى ....ماالذي جعلني ...؟! رأيتُ وأرى طاعونا لم يتوقف عن الفتك بنا ،لذتُ بالرواية ،كما يلوذ أكبادنا بالزوارق المطاطية نحو أثينا؟ لاأخفي على أحد ٍ أن الكتب عزائي وملاذي وأوكسجين حياتي وأخلص أصدقائي منذ نعومة أحزاني .عدتُ لرواية الطاعون ..ربما يدي وهي تنسى كثيراً قادتني نحو تلك الطبعة القديمة الأنيقة ، ألتقطت ْ الكتاب ..وأدخلتني جحيم كامو والطاعون في مدينة وهران الجزائرية ،يبدأ بمشهد عادي لاينذر بشيء، فقد أستيقظ الطبيب ريو ، وغادر بيته ،وهو في الطريق سيتعثر بفأر ميت . ما المشكلة في ذلك..؟! تعودنا جميعا على فئران مرمية في شوارعنا أو جرذان ، تموت بسموم نضعها لها في بيوتنا ، ثم نرميها دون أي أكتراث في الشارع ، فنحن غير معنيين بشوارعنا !! هل كان على الطبيب ريو أن يسلك شارعا آخر ، حتى لايرى فأراً ميتاً ؟ وهل ستخلو الشوارع من فئران ميتة ؟ ستنتشر الفئران الميتة ، ولاناي وعازف ناي في شوارع وهران ليقود الفئران الى شاطىء البحر وينظف المدينة ويشافيها ويعافيها بالموسيقى لتتخلص الروح من تجاعيدها ولتطيب النفوس في صفوها ، هل علينا ان ننتظر من يعيد حكاية الفئران وعازف الناي، ثم نسحب العازف من تلك الحكاية ، ونطلقه في مدينة وهران ويخلصنا من الفئران ؟ وتستعيد المدن قاماتها الفارعة ؟ كلما أتذكر رواية كامو(الطاعون) ، صرتُ أستعيد لقطة ًمضحكة ً / محزنة وهي كالتالي : والطاعون يفتك بمدينة وهران ، ثمة رجل كبير السن ، لاهواية له سوى هذا المرض النفسي ، الذي يمكن إدراجه في خانة (الإسقاط النفسي ) ،كل يوم ينجح في إغواء القطط كي تكون على حافة نافذة الغرفة التي هو فيها، وما أن تصل القطط وتقف قبالته حتى يبصق عليها !! ..هذا النموذج البشري الذ ي يجنّس رجلاَ
،سيصاب بالجنون في الرواية ، ولكن ليس بسبب الطاعون، بل حين يعلّم ان القطط التي كان يبصق عليها ،قد ماتت بسبب الطاعون !! وسبب جنونه ، على مَن سوف يبصق بعد أن فتك الطاعون بالقطط !! هذا الرجل الجلاد يشعر انه بموت القطط ،أنتهت كل صلاحيات موجوديته في الوجود ..لوكان كامو عراقيا ، لأهدى الرجل الممسوس : مرآة كبيرة وعلّمه كيف يبصق على وجهه ، وقت مايشاء وبدون إنتظار القطط وبذل الجهد اليومي في إغوائها للأقتراب منه ..وهكذا سيبقى الرجل الممسوس حياً من أجل بصاقه فقط !! ربما تتخلص المدينة من الطاعون .