ادب وفن

اطلالة على ديوان ليل سمين / ألفريد سمعان

ابتداء اود ان احيي الشاعر على ديوانه الجديد انطلاقاً من حرصنا على ان نوثق نشاط الشباب ونرش عواطفنا الجياشة على عطائهم الجميل وتلويحا بمناديل الحب لبناء مستقبلهم.
يحدق الشاعر علي فرحان في مشواره الشعري ليجد السخام يحتل باقاتها المتهدلة. ولتجدنا موشومين بالهزيمة او بالرقص حتى الموت على صفيح ساخن. ترى اية انعطافات جريئة يطلقها الشاعر وهو يطل علينا لاول مرة وهو ينتقل برحابة صدر بين العيون المزروعة لتبصر السواد. انه سرب الغيمات الداكنة التي تمتطي السماء وتراقب العيون المحدقة بها، تنتظر المطر لتمتلئ الساحات بالخضرة وتناوئ الجفاف الذي يحول الاغصان الخضراء الى عيدان يابس لا ترحب بالاوراق وتكره البراعم.
هذا ما جاء في قصيدة "فولاذ" لقد جاءت القصيدة حادة متشنجة بحوار صعب. ان الشاعر كما تدل عليه كلماته واسلوبه في تنفيذ الجملة الشعرية يتأتى بالصور يتابعها بعد ان يقتنصها بذكاء وهو يحط باجنحته عليها انها تسحره باجوائها وترانيمها. انه يقول:
كثيرا ما ندمت
على حروب تتباهى بكنوز الدم
على نساء يسحلن الاغنيات الى المذبح
على جهات تتخفى بالخرائط
او يُعبر عن فاجعة القيادات بخسائرها واهتمامها بجنودها.. فيقول بانعطافة خلابة تبتعد عن تكرار ما يقوله الآخرون، فيقول:
الجنرالات مشغولون بتدقيق قوائم الاحياء
وهي التفاتة ذكية تعيش في اعماق اي قائد وهو يستعد لكي يقاتل بما تبقى له من المقاتلين. اما الذين غادروا المعركة فامرهم الى الواحد القهار.
انه سائح يتجول في غابات الحروف، يتحرى عن الكلمات الثرية بعطائها والتي تليق برحلته حيث لا يجد مرفأً يلوذ به او ينتقل اليه. انه يتجول بعيون مفتوحة وافكار جديدة بعذوبة ودهاء من موقع لآخر يشدو بكل ما يستطيع يتربع تحت مظلة يترقب، وهو يكتشف الصور المشبعة بالعطاء ويعيد تقديمها ساحرة تجوب الفضاءات وتستقر في العيون وتداعب الامنيات المهاجرة بلمسات شعرية.
فهو لا يأتي الى مرافئ القُبل ولكنه يجعل منها مخدعاً للقصيدة، يمسك بساعديها الفرحين فتضيء السماء ويناجي الله من عليائه انه لحن المغفرة.. تُرى اي امتحانٍ هذا؟
لقد رأت الغرف فيقول: لم يدع الله للفرح والابتسامة بل ينثر ويفرش امامنا بساط الآمال الخضراء وينتهي بقوله:
طوبى لي.. انا حارسك يا فاكهة العشق.
ان للطبيعة رموزاً متألقة لكنها ليست معلنة تختفي وراء ستائر الدهشة والانبهار وتلقي صفاتاً جديدة تطبقها على الاشياء والرموز.
فللماء لون ورائحة ورمزه الكيمياوي؛ شهيدان وامرأة. والهواء عنده مختنق بألم ابيض والتراب معبأ بالاكياس دفاعاً عن الوطن وهكذا تتحول المقولات المألوفة الى مسميات جديدة ولكنها تعبر عن مشاعر فياضة ومواصفات باهرة وتنتهي بأن تعانق الوطن. انه يتحدث بالايماءة ولا يواجه الاحزان بمفردات عابرة مألوفة يحاول ان يمنحها الكثير من دفء الحروف.
ان من يقرأ ديوان الشاعر بعناية يجد انه لا ينطق الكلمات اعتباطاً او يرسم صورة من دون خلفية او هدف او يحلق في فضاء بلا بنجوم. انه يضع الاشياء في مواقعها المناسبة بابداع ورفاهية لغوية، بأنامل فكرية ناضجة وهو يستعيد مدينتين عراقيتين: اربيل والناصرية انه يضمد جراح الوطن التي لا بد ان تندمل والا فسوف يتمزق كل شيء، وبالتالي لن تنفع الدموع ولا تترنم الذكريات وهي تلتهم الحنين الراحل وتتلمس طريق العودة والانسجام حتى بين الاضواء وبعض المواضع.
في قصيدته "موت للعالم" يتجول الشاعر بنزيف حزين ويبدأ البكاء، ويرتقي سلالم الوحدة والاحساس بالغربة وهو تواق الى أن يقطف امرأة. انها صورة مذهلة، وكأنه يُداعب تفاحة شهية بألوانها وخطوطها التي تتقاطع بفوضى رائعة مرسومة بأزميل فنان يتعاطى بيع الورود بلوحات مطرزة بالوجع والاشواق. انه يحمل العالم على رأسه لكي يُفجر ينوبع دموعه. يُخاطب الوحدة والثلوج وينتهك علم الفلك ويستقبل بناته بعد رحلة انطفاء حقيقية لينتهي على ضفاف عالم جريح يتحمل انساناً يموت من عنفوان البكاء. انها رحلة شاعر متمكن يعد بالكثير.