ادب وفن

أفكار حول كتابة مقالة «قراءة في كتاب» / عبد العزيز لازم

شهد العالم طيلة عقود من السنين تراجعا مكشوفا لدور الكتاب في تنوير عقول الناس بسبب عزوف هؤلاء عن قراءة الكتاب وحتى الصحيفة ، وقد اثار ذلك اهتمام علماء الثقافة وعلماء النفس والإنثربولوجيا بل وحتى بعض رجال الدين ، لكنهم وجدوا ان احد ابرز الاسباب التي ادت الى هذه الظاهرة هو انتشار الشبكة العنكبوتية في جميع انحاء العالم وميسورية الحصول على اجهزة الكومبيوتر وأجهزة الوصول الى الشبكة العنكبوتية .
في مواجهة هذه الظاهرة المستشرية سعت الصحافة والمراكز الاعلامية الى ابتكار وسائل لمساعدة القراء للعودة الى الكتاب واحترام هيبته .
تتبنى جميع صحف العالم تقريبا نشر مادة ثقافية او اعلامية بعنوان " قراءة في كتاب " ويتعين علينا توضيح الفرق بين هذا العنوان وعنوان " استعراض كتاب " فالعنوان الاول ليس مجرد استعر اض وإن تضمَّن شكل الاستعراض لكنه يتطلب دراسة نقدية ايضا تستهدف تأشير نقاط القوة ونقاط الضعف في الكتاب المطروح . ويتم ذلك بشكل غير مباشر في العادة .
فما هي اغراض " قراءة في كتاب":
1- إغناء الثقافة المعرفية للقارئ وتنشيط وعيه حول حقائق جديدة تخص الموضوع المطروح قد لا يعرفها قبل ذلك .
2- تشجيع القارئ على قراءة الكتاب المطروح وكتب اخرى تتناول نفس الموضوع او مواضيع قريبة قد يوحي بها الكتاب المطروح .
3- تكوبن رؤية اوضح حول المواضيع المطروحة دون التدخل في قناعات المؤلف بل عبر اختيارات محسوبة وفق تسلسل الاهم ثم المهم مراعيا بذلك مساحة النشر .
اسلوب عمل "قراءة في كتاب"
يتحمل الكاتب مسؤولية عالية ومتعددة المصادر عندما يتصدى لإعداد مقالته ، فهو اولا مسؤول أمام القارئ المستهدف وغير المستهدف على حد سواء . هذا النوع من المسؤولية تكتسب حساسية عالية يتشارك فيها كل من المؤلف وكاتب المقال فالقارئ هو المادة الأكثر أهمية . ويوجد مصدر آخر لهذه الحساسية وهو ضرورة احترام الحقيقة في الطروحات وتقديمها الى القارئ من دون لبس او تهويل .
القارئ المستهدف
عندما يتصدى الكاتب لكتابة مقالته لابد وان يفكر بنوعية القارئ الذي يكتب له ، او يتمنى ان تصل اليه مادته كي يؤثر في عقليته . فبالنسبة لمحيطنا نحن نكتب لقراء جريدة " طريق الشعب " وهم الشيوعيين واصدقائهم والمؤيدين لهم . لذلك يكون الهدف الوصول الى هؤلاء بالتنوير والتهذيب وتكثيف المعلومات المعرفية . إن القارئ المستهدف هو بالحقيقة الجمهور او النموذج الذي يمثل الجمهور الذي يتعامل معه كاتب المقال والذي يهتم المؤلف بالوصول اليه. هنا قد يعتقد الكاتب ان القارئ المستهدف يحتاج الى ترميم ثقافته وإن ثمة ثغرات في جهده المعرفي تتطلب الردم عبر إغناء وعيه. إن هذا النوع من القراء حريص بطبعه على متابعة الكاتب وقراءة ما يكتبه . اي ان هناك علاقة ثقافية عفوية نشأت بين كاتب المقال وبين القارئ تقوم على الهم المشترك بينهما . لذلك يتعين على الكاتب بذل العناية اللازمة لتزويده بالزاد اللازم مما يتيسر لديه من مادة ثقافية جديدة.
القارئ غير المستهدف
وهو القارئ العام الذي قد يختلف مع الكاتب او يتفق معه فيما يطرحه في مادته ، لكن من المطلوب دائما الدخول إلى عقله بالأفكار الجديدة . هنا لا يشترط ان يكون القارئ مؤيدا او متفقا مع الكاتب فيما يذهب اليه والمقصود بالكاتب هنا ،هو مؤلف الكتاب او كاتب المقال .
تعدد الاساليب
يختلف اسلوب كتابة مقالة " قراءة في كتاب " من كاتب الى آخر لكننا نرى إن هناك ثلاثة اساليب سائدة في انجاز هذا النوع من العمل الاعلامي الثقافي ، هي الاسلوب الاستعراضي والاسلوب التحليلي والاسلوب المختلط . الاسلوب الاول يركز على فتح محتويات الكتاب المقصود أمام القارئ بأكبر قدر من التفصيل وبشكل محايد اي ان الكاتب يعرض ما تضمنه الكتاب كما هو، دون تدخل ودون ابداء الراي المباشر حوله رغم ان خيارات الكاتب المستعرِض ستعبر عن رأي محدد له. أما الاسلوب التحليلي فهو أشبه بالدراسة التي قد يناقش كاتب المقال مؤلف الكتاب حول بعض الافكار المختارة الواردة فيه . اما الاسلوب الثالث فهو الذي يجمع بين الاسلوب الاستعراضي والاسلوب التحليلي . فالكاتب هنا يهدف الى الافادة من افكار المؤلف التي يتضمنها الكتاب والتوسع في إضاءة المضامين الخفية فيها بقصد التوصل الى اكبر قدر من الفائدة التنويرية لصالح القراء. نعتقد ان هذا الاسلوب الاخير هو الاسلوب الذي يعطي سلسلة من الدروس والعبر التي قد تخرج من ثنايا الكتاب .
هناك مسألة تكتسب اهميتها القصوى لإنتاج مقالة " قراءة في كتاب " وهي مسألة فعالة ومفيدة يشترط فيها ان يمتلك الكاتب ثقافة مقاربة لثقافة المؤلف حول موضوع الكتاب ، بل ربما يمتلك الجديد مما يضيفه الى مضامينه ، اي يمكن لكاتب المقالة ان يحقق اغناء مفيدا لما يطرحه الكتاب وبذا تكون الفائدة المتحققة مضاعفة . اعتقد ان الاسلوب الاستعراضي التحليلي هو الاسلوب المناسب لمثل هذه النتيجة .