ادب وفن

أعياد سرمدية وذكريات بهية قاسم عبود يوقد شموع الميلاد / عيسى مسلم جاسم

حين يتعاظم الحب يعبُر المواسم، ويشطب على تقاويم جميع المناسبات، فحجم ذلك الود لا محدود، وجذوره راسخة سقاها الابناء والآباء والجدود، حتى أمست شجرة الشوق وارفة الظلال خضراء مورقة تحاكي السماء علواً ورفعة.
نعم هو حب "خرافي" من طرز جديد، المحبوب فيه "كهف مسحور" بمنأى عن الأثنيات والمذهبيات، وجميع الفئويات، التصق فيه الحبيبان معاً إنهم في سويداء القلوب، وفي أحضان الشغاف، ومشدود للزيادة في الأمان بالنياط.
هو من فيض ذلك الحب العارم الذي ربط بحب ماسي بين الشعب بشريحته العريضة الواسعة من عماله وفلاحيه، ومثقفيه وجمع شغيلة اليد والفكر. وشدهم ذلك الحبل القدسي، بفكرهم الثوري "الماركسي" وتنامى وأينع، حتى صار سلاحاً ماضياً بيد محبيه، وسوطاً لاذعاً يلهب ظهور قامعيه.
فلا عجب ان يتسابق العشاق، ولأجل الاهداف النبيلة، ان يقدموا كماً من الارواح الأثيرة، فقدم الشعب خيرة بناته وابنائه "الجود بالنفس أسمى غاية الجود".
بيت القصيد، قصيدة شعبية للشاعر قاسم عبود، وحسناً ان الشاعر لم يعطها عنواناً، ان شمعة القدح، كانت اكبر من التسميات واعلى من العنوانات، فقط اكتفى شاعرنا بـ"للعيد 82" أجل لقد فاض الحب الأبدي بشاعرنا وهو يتملى اللوحة السريالية، والتي مكانها كيانه ووجدانه يتطلع اليها بانبهار، ويغازلها آناء الليل واثناء النهار، ذلك الحب للأفكار النورانية والموروثة عبر أجيال، وتعتق بأوعية عشرات العقود.
لذا تدفق القصيد، وتمردت القريحة ونزت القوافي ونضحت التفعيلات، حتى عجز شاعرنا عن كبحها وكأنها جواد الشاعر الجاهلي امريء القيس الذي "حطه السيل من علِّ" وحسب الدكتورة الشاعرة الناقدة نازك الملائكة في كتابها النقدي المعروف "قضايا الشعر المعاصر الذي حالة فوران القصيدة، وانفلاتها من "مصرع" الشاعر بـ"التدفق" وتقول لا يمتلك الشاعر القرار بايقافها كحصان جامح على هواه، لذا فالشاعر على عجلة من أمره، لأن القرار بيد المشاعر والاحاسيس وذلك السيل الدفاق من الحب العارم لـ"شيوعيته" دائمة الخضرة.
إذا كان سِفر الميثولوجيا الروحية يحرم الـ"لا مألوف ويعتبره "بُدعة" وهي ظلالة وحرام، ولا زال في شارعنا الاجتماعي المعقول، لا معقول، أما معشر الأدباء والمثقفين فان صنعتهم تتطلب ذلك الـ"مألوف" فهو الخلق، والخلق إبداع، وهذا ما يميز "النخبة" المبدعة، وهم "الثروة الغالية" عن الآخرين، مع كل الاعتزاز بهم، فهم شغيلة يد ومنهم شغيلة الفكر – غير المبدعين-.
فلدى القاصي والداني وعند الاحتفالات المفرحة، نعم سيما الميلادات المادية والمعنوية يوقد الناس الشموع كدليل على السطوع والتواصل كذلك الاشراق والنور والتجدد. لنرى كيف يحتفل شاعرنا بافراحه، بعيد ميلاد حزبه الـ 82، يقول:
ما نعلگ شمع بثنين وثمانين
نعلگ بدلهن يا حزبنا أرواح
هكذا يكون الخلق والأبداع، لكن من أي وحي يتعلم شاعرنا، الأمر بسيط فحزبه، هو الآخر ليس ككل الاحزاب، بل هو لا تقليدي بل جديد وجديد ومن طراز جديد، فله كل الحق وهو يغرد خارج الأسراب "النشاز" نعم البعض هكذا، وعلى جدار الحياة رسم حزب شاعرنا أجمل اللوحات وكتب أبلغ العبارات.
أي مدى من الحب الذي أفضى بشاعرنا في احتفاليته أن يستبدل الشموع بالاغلى بالارواح، أي كرنفال اسطوري هذا، لم تشهده "الاوديسة ولا الالياذه" لا قبل ولا بعد التاريخ، وهو ليس تنظيراً على الصفحات بل هي وقائع على الارض فكم هي الأرواح، بل وخيرة الآرواح التي أوقدها الشعب شموعاً على مذبح الحرية، وعلى طريق الثوار الاحرار والهدف السامي "وطن حر وشعب سعيد" ولولا هذه الأرواح "الشموع" لبتنا في حلكة سوداء، ولغطانا ظلام التخلف والعبودية. ولولا إفرازات وما تنضح هذه الارواح الزكية، لما تعالت ونمت شجرة الحزب، شجرة الحرية فطوبى لهذا الشعب، وطوبى للفكر النير الوثاب فـ"لا توجد حركة ثورية بدون نظرية ثورة – لينين".
قصيدة شاعرنا قاسم عبود،وعنوانها فقط بصيغة الأهداء للعيد 82 وسبق ان توقفنا عند ذلك بشيء من التفصيل، وهي منشورة على الصفحة الخامسة "ادب شعبي" في جريدتنا الاثيرة طريق الشعب، بعددها 178، ولسنتها 81، يوم الخميس 28 نيسان 2016 جاءت مقتحمة بـ"دزينتين" من المشاعر الفواحة، أي باربعة وعشرين سطراً. وكانت هندستها البنائية بصيغة قصيدة التفعيلة والحداثة، السيابية والماغوطية، لكن السامع والقارئ المتواضع يدرك بسهولة كبيرة، أنها قصيدة عمودية يمكن إعادة بنائها، لتصبح بشطرين، صدر وعجز وقد حرص الشاعر على تكرار حرف الروي والقافية "الألف والحاء" لذا جاءت غنية بالايقاعات المتجددة، والموسيقى المتنقلة والتي بلا شك فعلت فعلها على قدم وذهن المتلقي على السواء، سواء كان قارئاً او سامعاً والأخير اكثر تفاعلاً فهي قصيدة صالات ومنابر، جاءت – وكما أشرنا، منسابة انسياباً ساحراً كقطرات ندى على زجاج كرستالي، وقد حظيت برضى الجمهورين الافقي والعمودي نظراً لاقترابها من لغة الثقافة، وهي اللغة الثالثة لنرى عينة عشوائية:
يستار الجسر يا فهد يا وضاح
يا حزب الشهادة والنعم وفيت
ولنتوقف عند السطرين، ونعطي الحق لشاعرنا، وهو يوقد الأرواح بدل الشموع، ومع القدر الكبير للأسمين اللذين في السطرين لكنهما وعند الضرورة كانا جسرين، كي تدور عليهما عجلات الشعب وتتدرج في ذلك النفق المظلم الذي يتدفق في نهايته ضوء يتعاظم ويتسع حتماً وفق المنطق العلمي، وسنة التشكيلة الاجتماعية/ الاقتصادية. طبت يا سيدي الشاعر فنحن الارواح التي توقدها شموعاً لميلاد حزبك العتيد. لذا تتضح الصورة لدى شاعرنا فيضيف:
ما ينطفي نورك يا فنار الخير
أصابعنا شمع وگلوبنا قداح
تظل انت أملنا، ونبقى نفخر بيك
ابناؤك أيها الحزب السامي ليسوا عشاقاً للموت ولا للسجون والمهاوي بل هم اكثر البشر حباً للحياة وللسلام، وان كانت موشومة سيرتنا بالويلات فذلك نظراً لوعورة الطرقات ولا مناص من اجتيازها وهو ثمن "ترنسيت" المرور نحو الوطن السعيد والشعب المعافى، لذا نرى وحسب الشاعر، شموع منورة، قداح فواح.
وعلى صعيد الواقع المرير، وتردي العملية السياسية والخراب الاجتماعي والدمار الاقتصادي يعصرن شاعرنا "فكر الحزب" فيقول:
وظل بيرغك عالي يرفرف وما طاح
مدرسة النزاهة والأيادي البيض
يا ملهم قوى التغيير والاصلاح
ولخطورة الموقف يتوسم شاعرنا بالحزب الكثير: إنهض يا شهم عدل مسار الكون/ إنت الباب وانت القفل والمفتاح/ انت العلميت الناس طبع الود.
مبارك لك ولنا ميلاد حزبنا، ومبارك لحزبنا بناسه.