ادب وفن

"معــبد الـذاكــرة" .. طقوس التأمل والخلاص / احـمــد طـه حاجــو

معبد الذاكرة هو مكان أقيمت فيه طقوس التأمل والإخلاص والصدق والحلم والأمل . انه ديوان استطيع إن أشبهه بعقد ماس متشابكة ومتماسكة حباته ، أي ان أفكاره محبوكة بقوة وجاءت ذات نسق متجانس . فالقصائد جاءت مع اختلاف وتنوع عناوينها الا أنها توحدت بوحدة موضوعية وهي الذكرى والحنين والإخلاص لأحاسيس نتمناها .
ان اغلب الدواوين الشعرية يكون عمودها الفقري هو الحب وغالبا تتنوع أساليب الشعراء في وصف الحب والتعبير عنه .
في معبد الذاكرة نجد ان الحب هو العمود الفقري للديوان ولكن نجد أيضا ان الشاعرة أسماء الرومي تناولته بأسلوبها الخاص حيث انها لم تعالج الموضوع بطريقة تقليدية من استخدام عبارات وصفية وتمجيدية رنانة كما في القصائد العاطفية التقليدية بل نرى ان هناك خصوصية واضحة تحتسب للشاعرة ونستطيع ان نميز نصوصها الشعرية بالمستقبل وان اختلطت مع نصوص غيرها..
فالاختصار والإيجاز كان سمة واضحة للقصائد في معبد الذاكرة ورغم الاختصار لكن ما ان نقرأ اول بيت من أي قصيدة حتى تجذبنا الدهشة التي تظل متواصلة معنا وترافقنا من بيت شعري إلى آخر . فقد جاءت القصائد مكثفة ، مختزلة ، خفيفة ظل على القارئ حيث لا مكان للملل في معبد الذاكرة.
اما اللغة فقد استخدمت الشاعرة السهل الممتنع أي كلمات بسيطة جدا ومفهومة لكل طبقات المجتمع وبهذا قد ضمنت الشاعرة ان كلماتها ستصل إلى اكبر فئة مجتمعية ، وبرغم البساطة في اختيار المفردات لكن ابرزت الرومي مهارتها في نسق القصائد وبنائها وتكوين الصورة وغزارتها . فإن لكل قصيدة صورة رئيسة واقعية وعميقة تفرض نفسها على القارئ بحيث تأمره ان يعيد قراءتها ويعيش بين طياتها ونبضها .
في معبد الذاكرة انعجن إحساس الشاعرة الرومي مع حروفها فأنتجت لنا لوحات فسيفسائية دقيقة التفاصيل وبليغة المعاني فنجدها في احد نصوصها تقول :
لم يكن الغياب سوى حضور ..
بذاكرة غائبة ..
لا يغريها للهطول الا المساء ..
يترك نبضا هاربا ..
اتعبه الضوء فأتخذ العتمة ..
أيوجد اجمل من تكوين صوري ووصفي لحالة الغياب ونتائجه كهذا. وأيضا تقول في قصيدة أخرى بعنوان "حروف".
بعد ما كتبتني بين سطورك اميرة ..
وصغت لي الحروف قلائد..
وبنيت لي قصرا في مدينة الشعر ..
كيف استطعت ان تمحوني من صروح ابجدياتك ؟
وكيف رتبت حروفك من دوني ؟
اما روحية الديوان فنجد ان التسامح قد طغى عليه حيث اننا نرى انا الشاعرة قد تطرقت لموضوع الخيانة وحتى الخيانة نجدها تتعامل معها بروح نقية وهدوء فتقول :
تطارده بعينين معصوبتين
كي لا ترى الحقيقة كاملة ..
أيوجد من يتعامل مع الخيانة بهذا النقاء ؟
ان بين طيات معبد الذاكرة دعوة واضحة إلى مراجعة النفس ومصالحتها وتقييم تصرفاتها وانفعالاتها وردودها وافعالها حيث التركيز على محور الذاكرة بحد ذاته هو دعوة لاحتواء الآخر قبل الرحيل او الهجر وهو أيضا دعوة إلى احتواء الاخر رغم اخطائه الطفيفة لان الحب العميق يستطيع ان يفرض نفسه على الآخر ويدعوه لا اراديا إلى التغيير للأفضل .
وان الأسلوب والتضحية التي نجدها في الروحية والشاعرية المنغمسة بنبض الكلمات كفيلة بإنعاش حالة النشوة بالحب أي انها تفرض على المقابل استنشاق حبيبه .. واننا نرى في قصيدة "ياسمين" والتي تقول في مطلعها :
كفاك شكوكاً وكن في يقين .
بأني نقية كالياسمين ..
ان هذه المحاورة التي يسودها الحب والهدوء تدعونا الى احتواء الأخر وتسخيره وتفهمه وارسال احاسيسنا إليه بطريقة تجبره على سماعنا .
اذن فالديوان لم يكن ديوانا شعريا فحسب بل كان رسالة تنويرية لقلوب العاشقين كي يحبوا بعضهم بعمق وصدق ولا يتأثروا بخزعبلات الحياة الزائلة . فما اضخمه من معبد لأنه احتوى هموم العاشقين وسخرها وذلل مصاعبهم ...