ادب وفن

تمهيد قراءة /....(السرد التشكيلي ) في المملكة السوداء / للتشكيلي والناقد شاكر حمد.. / مقداد مسعود

الورقة المشاركة في الجلسة التي اقامها اتحاد الأدباء (3/ 9/ 2016) في البصرة للأستاذ التشكيلي شاكر حمد
بمناسبة صدور كتابه (السرد التشكيلي في المملكة السوداء لمحمد خضير )..
بالنسبة لي ..الدراسات النقدية التي ينتجها شخص معّرف بإشتغاله في حقل فني أو معرفي آخر أوليها أهتماما خاصا ،فهي تشتغل على الوعي النقدي أكثر من إرتباطها بمنهج نقدي معين ، أي انها دراسات تعي النص وتتذوقه ضمن حقلها المعرفي وليس فقط ضمن حقل النص السردي ، كما فعل المثقف العراقي الموسيقي أسعد محمد علي منذ سنوات حيث اشتغل على الجانب الموسيقي في الهندسة الروائية ،ثم أصدر رواية تجريبية في السياق نفسه ، وكما فعل الفيلسوف الالماني هيدجر في دراسته لقصائد جورج تراكل ، كما توقف هيدجر عميقا عند لوحات معينة لفان كوخ وانتج مقالة شمسها لن تغيب أعني (أصل العمل الفني) وهي دراسة عن لوحة (أحذية قديمة وأربطة ) لفان كوخ ...
(*)
في كتابه هذا لم يفتح الفنان التشكيلي الناقد شاكر حمد بابا مغلقا بمفتاح السرد التشكيلي ..بل انتزع حيزاً من الجدار وثبّت بابا للسرد التشكيلي ..على مستوى العنونة والمضمون ، يتجاور الكتاب بنسبة معينة مع كتابيّ : (اللوحة والرواية) : ترجمة مي مظفر و(قصيدة وصورة) عبد الغفار مكاوي* ،وضمن السياق نفسه أي انتقال من إجناسية إلى أخرى ،يعيدني إلى ما قام به أبو الوليد البحتري في ذلك الانجاز الشعري الخالد وهو يلتقط بعينيّ قناص رسومات إيوان كسرى ويشعرنها في قصيدة حركية كشريط سينمي ،فنتشمم صهيل المعارك في غبار الخيول ونتماوج مع رايات الورس ونتعثر بالقتلى وتلطخنا بالدم الساخن استغاثات الجرحى ..فقد حصنت القصيدة ألوان الرسومات من الزوال بمؤثرية الزمان وضخت فيها طراوة شعرية تزداد مع كل قراءة
(*)
الفنان التشكيلي شاكر حمد في(السرد التشكيلي) إلتقط أحجاراً قصصية كريمة من (المملكة السوداء) وهي احجار مررنا بها كوحدات سردية وتلذذنا بقرائتها لكن وحده شاكر حمد وبجهده الماتع ،أعلنها على الملأ ، وقد علمّها بعلامة تشكيلية
(*)
الكتابة عن الأدباء الكبار ..أحيانا لا تضيف ضوءا نصيا إلى نصوصهم ، قدر ما تكون طموحا شخصيا للكاتب ليكون معرّفاً من خلال كتابته عن الاديب الكبير ، فمن أطنان الكتابات عن نجيب محفوظ لا تصلح للمكوث في الذاكرة سوى الأقل من القليل ، أما الكثرة المتكاثر فهي فطريات تتغذى على النص المفتاح ... أوائل السبعينات في مجلة الاديب المعاصر العراقية ، قرأت دراسة موّسعة بقلم الناقد شجاع العاني عن (المملكة السوداء).. وفي العدد نفسه حواراً أجراه سليم السامرائي مع القاص محمد خضير بتوقيت هذا العدد ولحد الآن انهمرت المقالات والدراسات والاطاريح عن القاص محمد خضير ومنها الكتاب النقدي للناقدين الدكتور مالك المطلبي وعبد الرحمن طهمازي وهو كتاب يستحق وقفة خاصة نؤجل الكلام عنها الآن ..
(*)
هنا تكمن صعوبة الكتابة النوعية الجديدة ، أعني ضرورة توفر كيفية مغايرة للكتابة : كيف نكتب عن مجموعة قصصية عمرها الآن تجاوز الاربعين عاما ، وكيف نكتب...و الكتابات عنها تجاوزت صفحات المجموعة بعشرات المرات ؟! وثمة سؤال آخر ،لماذا حين نتذكر الطيب صالح ، نقول (موسم الهجرة إلى الشمال ) وكلما قلنا محمد خضير ،أضفنا (المملكة السوداء)..؟ لقد كتب القاص محمد خضير قصصا ذات شأن الكبير، ويمكن مجاورتها نقديا وفق السرد التشكيلي منها (ساعات كالخيول) (إلى المأوى ) ( تاج لطيبوثة ) (الحاج ) وهذه القصص ذات شحنات عالية في السرد التشكيلي وهناك قصص في مجموعته (رؤيا خريف ) لاتقل شأنا ..
(*)
حين يتناول الناقد سيادة السكون في ص48 وتحديدا من منتصف الصفحة حتى نهاية ، فهو فعلاً يفعل عنونة كتابه ..وقبل ذلك في رصده الدقيق للظلمة وكيفية تقشيرها ( ص30 ) ثم ينتقل ليمنح قصة (المئذنة ) هندسة معمارية مثلثة القص :
(القصة الأولى تبدأ من السرداب..
القصة الإفتراضية الثانية يُشكلها مسار الفتاة في الشارع ونشوة الفتاة أمام اعجاب الكائنات بها..
القصة الثالثة تبدأ من وصول الشابة الى بيت قوادتها ومشاهدة غرفة دعارتها لينتهي السرد عند مشهد السطح فالمئذنة ../31)
شخصيا لاأراها ثلاث قصص بل نقلات في المكان ، وضمن مفهوم مخطط الصورة النقلة الاولى من الاسفل الى الاعلى ،أعني من ظلمة السرداب ، إلى التموضع ضمن جغرافية الافقية للبيت ، والثانية نقلة أفقية في الهواء وهي لحظات من قطاف البهجة ..والنقلة الثالثة دخول في الفضاء المغلق ، ثم الانتقال من المغلق الواسع / البيت الى المغلق الضيق المدنس : غرفة دعارة المرأة، ثم وهي تتحرك مؤطرة بمخطط الصورة ، تنتج المرأة حركة إلى الاعلى : سطح البيت وفي السطح تنتج حركة مرئية محسوسة ، لكنها حركة اعتماد وليست حركة نقلة فالجسد ثابت في مكانه من السطح ، لكن عين المرأة ترتفع نحو المئذنة وذاكرتها تغطس في زمان مضى...وهنا لوحة تشكيلية بصيغة مصعد لامرئي لكنه محسوس : امرأة في القاع / لقلق على مئذنة وبخصوص السرد التشكيلي ، استوقفتني منذ قرأتي الاولى جملة غريبة ، ومع تنامي الوعي لديه كنت اعود لزيارة هذه الجملة ذات الرسم السوريالي البديع وهي تختزل حياة المرأة ( كأنها في قعر أبريق )
(*)
وفي تناوله لقصة أمنية القرد يتناول هندسة التشكيل السردي في عمودية المكان وظلمة المكان / البئر وتآكل السلم الحجري /34
(*)
ضمن الفضاء المائي للقصص شجرة الاسماء وكذلك (الأسماك ) كان يمكن إضافة قصتيّ (الخيول) و(الحاج) ..وحين تقول الصبية : كأننا خرجنا من قاع الماء ) فنحن هنا ليس كما يقول الناقد التشكيلي أمام (التشكيل الخرافي للقصة يغلف مضمونا عميقا ../58)..بل أمام تشكيل باشلاري – نسبة إلى غاستون باشلار --
(*)
يفترض الإلتزام بتفعيل ثريا نص كتابه، أعني بذلك الاشتغال على السرد التشكيلي
لكن الناقد شاكر حمد: صار يتنقل بين العنونة وبين حفريات التأويل في فضاء المملكة والإنهمام بقراءة المستوى الجنسي في النصوص وبالطريقة هذه انزاح الاشتغال من مركزية العنونة إلى أقواس أخرى، منها التوسع حول (الشخصية ودلالاتها / 147)(التناص الحكائي /156) (التصوير البانورامي /170) ...ثم يظهر التفعيل الابداعي لعنوان الكتاب في (البنية التشكيلية للمكان /179) (التشكيل والدلالة الزمنية /197)
(*)
في قوله التالي مصادرة القراءة الأخرى (يحق لي وأنا أتقصى الأثر التشكيلي في هذه القصص ، أن أزعم ببطلان تجنسيها ضمن الأدب الواقعي ،وبالأحرى عدم إخضاعها لأحكام النقد الجاهز،../78) أولا الواقعية ليست سبة كما إنها ليست سهلة الصياغة ،شخصيا أرى في (المملكة السوداء) قصصا لم تلوثها (أمراض القصة القصيرة العراقية / أنور الغساني / مجلة الاقلام / عدد تموز /1971) عن أي نقد جاهز يتحدث الناقد ؟ أغلب النقاد اشادوا بالمجموعة ، أما الجهازية ، فهي متوفرة عند الإعلام النقدي ، أعني الذين ينافسون الصورة السريعة / المستخدمة في المعاملات الرسمية، فهم ما أن يصدر أي كتاب ، حتى يدبجوا عنه مقالة تكشف انهم تصفحوا الكتاب ليكونوا أول من كتبَ!! ..فهي جهازية كتابة تحت الصفر ،لادخل لها بالنقد ..وحده غالب هلسا نشر رأيا مشاكسا في مجلة الأقلام عن (المملكة السوداء) آواخر السبعينات ..أعود الى المقبوس من كلام الناقد شاكر حمد
فأراه يشترطا مدخلا ً (عبر منظومة ثلاثية الأبعاد : الواقعية ، الرمزية، التشكيلية)..وفي هذا الصدد اقترض من (ج .هيو . سلفرمان ) وأقول :(النص هو مالايمكن حسمه .وعدم إمكانية الحسم، في النص تبرز بموجب نصيته، وعدم أمكانية الحسم، هذه هي سمة اجرائية لهذه النصية وفي الحقيقة فإن نصية النص هي عدم امكانية الحسم ،فالنص ليس شيئا بحاجة الى تحديد ماهيته ../ 127 /نصيّات )
(*)
في قراءته لقصة (أمنية القرد) أستوقفتني هذه النقلات ( 37- 38) وكذلك إلتقاطه لكتلة الظلام ( 42) وكذلك التقاطته في (حكاية الموقد)..(79) ..
(*)
لو تم تنضيد الصفحات الخاصة بتفعيل عنوان الكتاب ، أعني (السرد التشكيلي ) لحصلنا على كتاب صغير ..يتجاور بالاهمية مع كتابين هما (ثريا النص ) لمحمودنا عبد الوهاب ، وكتاب (وهم الحدس ) للدكتور الناقد مالك المطلبي والكتابان من إصدارات الموسوعة الصغيرة ..
*شاكر حمد/ السرد التشكيلي في (المملكة السوداء) لمحمد خضير / اصدارات اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة/ ط1/ 2016ض
*ج.هيو سلفرمان / نصيات / ترجمة :حسن ناظم وعلي حاكم صالح ./ المركز الثقافي العربي/ بيروت / ط1/ 2002