ادب وفن

الشاعر منذر خضير ..يتوارى عن المنزل والغابة / مقداد مسعود

الورقة المشاركة في جلسة (10/9/ 2016) اتحاد الأدباء في البصرة للإحتفاء ... ب (أتوارى عن المنزل والغابة)
للشاعر منذر خضير..
ورقتي ستتوقف عند ثلاث مكونات في المجموعة الشعرية (أتوارى عن المنزل والغابة ) للشاعر منذر خضير ، وهو من الشعراء الذين يسعون بجدية عالية في التعامل مع القصيدة سأتوقف عند الوظيفة المثنوية لثريا النص وكذلك عند جهات القصيدة وأخيرا اتصالية المقتبس بالتغذية النصية ، والمعالجة الشعرية للعطل الاجتماعي ..
(*)
(1) ( أتوارى عن المنزل والغابة ) هو ثريا نص المجموعة ، وهو من العنوانات الاشتقاقية ،كما علمنا الأستاذ محمود عبد الوهاب في كتابه (ثريا النص / مدخل لدراسة العنوان القصصي )
(2) هو عنوان قصيدة ضمن المجموعة الشعرية /ص18
(3) وإذا كان الشاعر يتوارى عن مكانين مختلفين في وظيفتهما وفي هندستهما فالمنزل
يتسم بالخصوصية والإلفة والأمان وهو فضاء مغلق ، أما الغابة فهي الفضاء الأخضر المفتوح و الرحم البدائي للأفتراس واللامنطق ...
وكقارىء منتج بدوري أتساءل : ماهو سبب هذا التواري ؟ وأين يتموضع هذا التواري سنجد الإجابة في القصيدة التي وظيفتها ثريا النص ، وإذا كانت الثريا تعلن عن التواري المثنوي في ثريا النص فأنه في القصيدة سيتحول من المثنوي إلى التشظية ،
وهكذا تكون للعنوان الرئيس التراتبية التالية
(1) ثريا المجموعة
(2) عنوان قصيدة في المجموعة
(3) الخلية الشعرية الموقوتة التي تتشظى في القصيدة وفي المجموعة الشعرية ،
وبشهادة محمود عبد الوهاب (العنوان ليس بنية نهائية، إنما هو بنية صغرى لاتعمل باستقلال تام عن البنية الكبرى التي تحتها ،فالعنوان – بهذه الكينونة – بنية أفتقار ، يغتني بما يتصل به من قصة ورواية وقصيدة ،ويؤلف معها وحدة على المستوى الدلالي ../ ص9- محمود عبد عبد الوهاب – ثريا النص ..)
(*)
والمتواري عن المنزل والغابة مالك الطفولة العارية هو الذي يخاطب صديقته
(طفولتي عارية
سأجعلك ثوباً لها
وأمنحك نخلة المنزل / 32 - )
والمتواري عن المنزل والغابة تخلت عنه قوته (لي أسد ٌ فر إلى الغابة ../24)
والمتواري واحدٌ في وحدته
(أين أذهب إذن
أنا السائح الوحيد
في هذه الغابة
التي تبخل أيضا
أن أكون قمرا ميتا فيها../44)
(*)
جهات القصيدة في (أتوارى ....)
(1) في بعض قصائد المجموعة ، ثمة جهات توصلنا الى شخصيات شعرية : فالمكان يوصلنا للمكين ،فرانسيسكو ،تعني جان دمو ..وهناك (تمثال بورخس /34) ..والشاعر حسين عبد اللطيف من خلال (سيرة رجل يشبهُك ../36) وقصيدة (شتاء المعلم / 51) معنية بثريا البصرة : محمود عبد الوهاب ..وهناك قصيدة مشحونة بشيء من السيرة الذاتية للشاعر (هباتيا أو الطريق إلى الأبدية ../60)
(*)
العلاقة بين المقتبس والافعال المعطلة في النصوص
يستقبلنا المقتبس كعتبة نصية بالكلام التالي
(ثمة من يبحث عن ضوء داخلي
سأحترق ُ من أجله
من أجل أن ينتمي هذا العالم
....................... إلى الله )
والمقتبس أشبه بتوقيع شعري بقلم الشاعر منذر خضير ،المثبّت اسمه في نهاية المقتبس ..لكنني كقارىء أرى ان المقتبس الذاتي للشاعر، يتجاور مع مقطع من قصيدة (مثل كريم ) للشاعر ناظم حكمت :
(إذا أنا لاأحترق
وأنت لاتحترق
ونحن لانحترق
فمن يضيء ظلمات هذا العالم )
نلاحظ ان ناظم حكمت يطالب بإضاءة العدل الاجتماعي ، في حين الاحتراق لدى منذر خضير ، يحيل إلى الميتافيزيقيا وحصريا عند مطلق المطلق ..أو الكلية المطلقة..
لكن المقتبس لدى الشاعر منذر خضير ، لايتماهي في نصوص الشاعر ، فالافعال معطلة ، وأحيانا الفاعل بحد ذاته يعاني عطلاً في داخله ، وإليكم المقبوسات من قصائد المجموعة
*(لن ينجو أحد.../9)
*(..فُلك لايدلُني عليك ../19)
*(بوجوه ليست لأحد ..19)
*(المقاتل لايعشق الحرب ../23)
*(لايجد الشاعر ُ سماءً تحمله ُ../23)
*(ولافأس لدي لأقاتل ../ 24)
*(أنا لاأشي بأحلامك ../33)
*(لايُفسر عماه ُ أحد ../ 35)
*(لاترفع قبعتك خجلا من الموت ../38)
*(البنادق تترصدنا طائرا طائرا ../44)
*(وسلام لاينتظره أحد ../46)
*(الشفاه عاطلة عن القبل ../47)
*(جمعت ُ أصدقائي
بقارب
فنجوا جميعا..وغرقت !! /56)
*(لاصديق سوى العربة ../58)
*(لايملك من حياته سوى ابتسامة صادقة ../ 59)
(*)
الإستثناء الجميل ، يتجسد في القصيدة الأخيرة (هباتيا أو الطريق إلى الأبدية ) حيث يتفاعل التماهي بين المقتبس والنص الشعري ..
(الفرح دمعتان أيتها الشجرة
واحدة ٌ سقطت عندما خدعت ُ الحرب
ونجوت ُ منها
والثانية عندما عشقت امرأة
تحولت إلى وطن )
نلاحظ ان تأنيث المكان يصلّح عطل المكان والمكين ويزداد العالم معنى ثم تتوالى مباهج الإنسان بحضور الانثى والتأنيث للأشياء والوقت أيضا
(هل كنت صادقا؟
وأنا أمنحك ِ قبلة تحولت إلى طفلين
وغصن طويل
في غرفة ٍ مطلّة على الشعر
والموسيقى )
تحيلني القبلة والطفلين الى مقطع شعري للشاعر بول أيلوار، تخذلني الذاكرة في استعادته نصيا،
ربما هو هكذا..ربما (من العنب نصنع النبيذ، ومن القبلات نصنع البشر )
ثم يتسع تألق الأنثى وهي واقفة كشجرة في مهب نسيم للشاعر وحده
(من ذلك الهواء أتنفسُك ِ
حياة تعبرُ وأخرى تطل ُّ
داخل سور أو
خارج غيمة
هي نجمة ً عاشقة ً تتباهى )
وتستمر هذه القصيدة اللذيذة كطعم التوت الأسود عبر تسعة مقاطع رشيقة متماسكة ، تغوي القارىء بتكرار الإبحار فيها ... قد نجد منمنمات ضمن فضاء هذه القصيدة :
(لست بحاجة ٍ إلى مدينة
لاتعِدُني بك ِ../ 41- خسائر )
(تزدادين سماءً
وأزداد سعادة
هذه مواسمي أيتها السنبلة
أنا رجل ٌ من عاصفة ../30- الجهة التي امسك بها الحلم )
(كنت حزينا وأنا أراك تسقطين من الشجرة
لم أكن آدم
ولم تكوني حواء
كنت سنبلة أطول قامتي
كنت ُ عاصفة ً لاتفرق بين الطائر والبندقية
لذا لن أشي بأسرارك وأنت تلونين فمي بالقبل../ 31)
(في الصف الخامس غازلت جارتنا
كانت ترتدي فستانا أحمر
ذات يوم أمطر لساني على ثوبها فهربت ../32)
(تعالي إذاً
طفولتي عارية
سأجعلك ثوباً لها
وأمنحك ِ نخلة المنزل ../33)
*منذر خضير / أتوارى عن المنزل والغابة / الروسم / ط1/ بغداد /2016