ادب وفن

الحقيقة .. بين المفهوم اللغوي والتعريف الاصطلاحي / د. علي حسين يوسف

يرد لفظ الحقيقة في اللغة: بمعنى الحق، والصدق، والصحة، واليقين، والوجوب، والرصانة، ومقابلة التجاوز. يقول ابن منظور (ت711هــ) في لسان العرب:» بلغ حقيقة الأمر أي يقين شأنه. وفي الحديث: لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه؛ يعني خالص الإيمان ومحضه وكنهه. وحقيقة الرجل: ما يلزمه حفظه ومنعه ويحق عليه الدفاع عنه من أهل بيته ؛ والعرب تقول: فلان يسوق الوسيقة وينسل الوديقة ويحمي الحقيقة... والحقيقة ما يحق عليه أن يحميه، وجمعها الحقائق. والحقيقة في اللغة: ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه، والمجاز ماكان بضد ذلك، وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة: وهي الاتساع والتوكيد والتشبيه، فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة،...وحق الشيء يحق، بالكسر، حقا أي وجب... وأحققت الشيء أي أوجبته. وتحقق عنده الخبر أي صح. وحقق قوله وظنه تحقيقا أي صدق. وكلام محقق أي رصين... والحق: صدق الحديث.والحق: اليقين بعد الشك ....»
اما الحقيقة في الاصطلاح فيبدو أن أمرها أصعب مما عليه في اللغة بسبب تعلقها في النسبة بين التصور والتصديق، اذ ان معنى الحقيقة اول ما يتبادر الى الاذهان ما : هو تيقنت منه ، لكن كيف تتيقن من وجود شيء ما ، وهل ذلك ممكن ؟ نقول قد تعرف الحقيقة عن طريق التجربة العلمية ، فلا نستطيع ان ننكر ان جزيء الماء الواحد يحتوي على ثلاث ذرات مرتبطة ببعضها، ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين لان الجمع بين هذه الذرات لا يولد شيئا ثانيا غير ذرة الماء في الظروف كلها . كما تعرف الحقيقة عن طريق الاضداد فنحن مثلا جميعا متأكدون من اننا نحلم في النوم وان الاحلام ليست حقيقية لكن افكاري في الواقع حقيقية لأنها على الضد تماما من احلامي في نسبة ارتباطها بالواقع , وقد تعرف الحقيقة عن طريق الثبات فحينما نقول : لقد ثبت للجميع بان هناك رجلاً اسمه حمورابي او المسيح او ان هناك حادثة معروفة فإن هذه تعد حقائق لان القرائن تثبت وجودها ، وقد تعرف الحقيقة ايضا عن طريق اقتراب الشيء من مثاله كأن نقول عن صورة ما انها حقيقية بحسب درجة اتقانها .
لكن الحقيقة قد تلتبس على التعريف اذا عوملت بطريقة تجريدية، فاذا قلنا عن زيد انه انسان حقيقي على اعتبار وجوده الواقعي بيننا فان ذلك لا ينفي الشك في حقيقته الانسانية لان زيداً لم يجمع كل خصائص الانسانية لكي نقول عنه انه انسان ، وهذا ما يسمى في الفلسفة بالعلاقة بين الذات والماهية وهو مبحث دقيق ومجال خلاف حتى أن الفارابي قال:»الوقوف على حقائق الاشياء ليس في قدرة البشر ، ونحن لا نعرف من الاشياء الا الخواص واللوازم والاعراض.....».
وعلى العموم فقد اتفق الفلاسفة على تسمية الموجودات العينية والذهنية بالحقائق الواقعية ، لانها تتمتع بوجود مستقل عن العقل الذي يدركها , واتفقوا ايضا على تسمية المبادئ الكلية مثل مبادئ الرياضيات بالحقائق الابدية.
لكن الحقيقة ارتبطت كثيرا بما تتمثل به في الفلسفة المعاصرة اذ يرى البرجماتيون ان الحقيقة تتمثل في الفكرة ذات النفع التجريبي , فيما يرى الماركسيون بأن الحقيقة هي الفكرة المعبرة عن الوجود الموضوعي ، ويرى الوجوديون ان الحقائق ترتبط بالحرية، واخيرا لابد من القول ان لفظ الحقيقة يقابل: الواقع الموجود بالفعل، وهو ضد الاعتباري، ويقابل ايضا الثابت، وما هو ضد الممكن والخيالي، ويقابل بالذي يتعلق بالذات أكثر من تعلقه بالمظهر او الاسم، ويقابل ايضا الواضح ... الخالي من الغموض واللبس.