ادب وفن

ترافه وليل.. والنواب.. ولا ما مش ولا أزود / لفته عبد النبي الخزرجي

وهكذا كان الم الاحزان الطرية "المقدمة التي تشرفت بها القصيدة النوابية.. ولا أزود.. كانت آلاما لأحزان طرية... وطراوة الأحزان، نقش نوابي.. في ثوب القصيدة المعطرة بالحزن الطري".
بوشل هجرك يلمذبل
شتلنه العشج والصندل
تنينه وكل هجر حمل
دمع نيلي...
وسعد اسود
ترف وانته ولا سعده
ولا مامش ولا ازود
القصيدة النوابية سجلت طفرة نوعية في الجانب الفني والمضمون الفكري والاجتماعي والانساني للمفردة الشعرية.. التي كان النواب يتفنن في صياغتها.. مظفر النواب.. ومنذ اكثر من نصف قرن.. نقل القصيدة الشعبية من شرنقة التقوقع والسلفية والبؤس في المفردة الاجتماعية، الى ساحة المضمون الانساني والفكري ومحاورة الحس الطبقي.. وملامسة الواقع الانساني بكل تجلياته.. فكانت قصيدة النواب.. تسجيلا لتاريخ مضمخ بالنضال والتضحيات.. وتوثيقا لحركة المجتمع.. وطموحه الانساني في تغيير الواقع المتخلف.. والعبور الى ضفة المشروع الوطني العابر للأفكار المتدنية والظلم الاجتماعي والحرمان
ترافه وليل.. ودگ ريحان يسمر لا تواخذنه
يلن.. كل دگه من حسنك شتل ريحان للجنه
المفردات التي نلتذ بترديدها.. وتأخذنا موسيقاها.. وتسرح بنا في اودية الريحان والورد والمشاتل.. انها بلا شك.. انغام وترنيمات موشحة بالترافة:
تحنن.. دوس.. فوگ الروح
وإحسبها علي منه
أطكن ورد، من تجزي والف نمام يتحنه..
"النمام" مفردة شعبية ترد كثيرا في الشعر الشعبي، عندما يشعر النمام بالسعادة لانه يعيش على احزان الآخرين، فان هذا يعني انه قد انتصر، لكنه نصر ثمنه آلام ومآس ومعاناة الناس. وهكذا قال الشاعر محيبس العلوان الهليجي:
حلات الرجل كون ايصير وزان
ويبعد من حچي " النمام " والزان
من أطباعه تعرف الشين والزان
وكت الضيج ما يلـفظ رديــــــه
الرمزية هي الاطار الذي يغلف القصيدة النوابية ويمنحها بعدا سياسيا يجعلها اكثر قربا من المتلقي، وهذا الرمز الذي ادخله النواب على القصيدة، "نقل الشعر الشعبي بأكمله من الزوايا المظلمة الساذجة التقليدية الى النور والآفاق الرحبة الواسعة"(1) إن هذا يعني أن القصيدة الشعبية قد تعرضت الى هزة عنيفة من خلال النقلة النوعية والآفاق الرحبة التي مارستها الحداثة النوابية، وما اسفر عنه الانفتاح الواسع في مضمون القصيدة على زوايا الواقع المظلمة، والعمل الرمزي في محاورة مفردات القصيدة ذات الابعاد الأكثر قربا من معاناة الانسان وهو يتلمس طريقه نحو المستقبل.
القصيدة التي نتناولها في بحثنا هذا، من قصائد النواب التي تمتلك حسا إنسانيا ونفسا موشوما بعطر المناضل الذي يحمل افكاره ليضعها في خدمة مجتمعه وابراز المعاني الانسانية (لا اظن أن أرضا رويت بالدم والشمس كأرض بلادي ولا أظن حزنا كحزن الناس فيها.... ولكنها بلادي، لا أبكي من القلب، ولا اضحك من القلب، ولا أموت من القلب، إلا فيها)(2)
من اشوفك... انذر النجمات ترجيه لسوالفنه.."
النذر.. عندما يكون مستحيل التحقق... فهو ان تنذر النجمات... هذا هو المستحيل.. لكن النواب يتحدى المستحيل... ويرفع قامته ليطاول النجمات في مجرات الفضاء المترامي الاطراف.. ليصنع منها اقراطا." ووديلك هوى اشكابين... وتردني بطرك ونه !!!!من ينذر النجوم.. يستحق الكثير... لكن الحبيب.. لا يملك الا "شكبان الهوى.. و"الشكبان"، مفردة جنوبية جميلة تعني "كوار" او "مدوار" او "شليف".
الزلف نايل هوى اجبوري...
وأنگط اشفافي عل جوري
ترسنه صواني فرفوري، فرح نيلي..
ووصل اسود ترف وإنته ولا ورده ولا شوكه.. ولا أزود
حسافة سگيتك ابروحي
وحسافة العمر ما ورد !!!
تنقيط الشفاه.. وما زال هناك الغاز تتربع في اركان القصيدة النوابية... ولذلك فنحن امام مفردات وأسطر في القصيدة تستدعي قاموسا لفك رموزها وشفراتها..
فرشت شليلي... بدروبك
ابيع العشگ.. للدنيه
هضيمه، اتحنن الشامت.. علينه...
وتشتمت بيه جثير إكزازك بروحي وأگولن هاي حنيه
من أتلك بالحلم يسمر يجي القداح بيديه
النواب يستفزنا شعريا.. ويظل يستفزنا، لننهج اسلوبه، ونطوف في ترانيم قصائده، ونعانق مفرداته، أنه يضع أمامنا منهجا متفردا لسبك القصيدة، المفردات متوفرة، لكن صياغتها باسلوب النواب هي الصعوبة بعينها، إنه شاعر متفرد، مظفر النواب، شاعر الثورة في الشعر الشعبي العراقي الحديث.
ــــــــــــ
(1) اوليات الحداثة في الشعر الشعبي العراقي – دراسة تحليلية تراثية – غالي الخزعلي
(2) من مقدمة ديوان "للريل وحمد".