ادب وفن

رواية شباك امينة كوحدة استدلالية / محمد يونس

تحال عنونة رواية "شباك أمينة" دلاليا الى الدلالة الالتزامية، التي ستكون نصا بذاته لكنه لا يعبر عن ذاته فقط، بل يظهر كنص مواز يشير الى معان خارجية، ويقوم بالتزامها دلاليا لتميزها في الاستدلال، وهنا سيكون تعبير تلك العنونة عن ابعاد سيولوجية تحتاج التزام دلالي، كما أن المضمون الذي تقوم عليه العنونة، هو بذاته غير متداول داخل المتن النصي، وهذا ما جعل العنونة تستمد الالتزام الدلالي، وتعتمده كوحدة دلالية في بعد الاستدلال غير المباشر، وهذا هو الفعل الاساس للصياغة التي رسمها لنا الروائي اسعد اللامي في روايته "شباك امينة".
العنونة اذن ليس عتبة في حدود توظيفها، بل هو عنونة بتعدد ابعاد الاحالة، وبتنوع دلالي التزامي، وذلك حسب سياقات النص الفكرية الجدلية البعد الافلاطوني، فهناك الاحالة العقائدية، وايضا هناك الاحالة الاجتماعية، وثالثا هناك الاحالة النفسية ذات الزمن الافتراضي.
قدمت الرواية مفترقا في العنونة يحال الى جهتين، الأولى ترتبط بالعنونة الأدبية – الأدبية، اي أن العنونة ليست محددة بجنس معين، وهذا ما يتيح لها أن تكون نصا منصوصا، وهنا سيكون من الطبيعي أن تتسع التأويلات والافكار الجدلية المتوافقة والمضادة، ومن جهة اخرى هي لم ترتبط بالتعالق النصي، ارتباطا مباشرا، لكونها عنونة ادبية/ ادبية، أحالها وجود ابعاد دلالية الى الاتزام، كدور في تطوير قيمة العنونة والتقليل من اهمية عدم ارتباطها بالتعالق المباشر بالمتن النصي.
كانت اكثر الابعاد الدلالية استقرارا في علاقة العنونة بالمتن النصي، هي ابعاد الدلالة الالتزامية، فهي كوحدة دلالية ليست بدلالة لفظية، ولا يكون اتصالها بالنص من ناحية الملفوظ، ونمط دلالي كهذا لن يكون تطابقيا بالمعنى الحرفي، بل هو اشارة قابلة للتأويل عبر الاستدلال الإحالي لمعنى مفترض او جانبي، ومن طبيعتها الاستدلالية لتلك الوحدة بسياق تكون فيه دالة باللفظ على غيره، أو هي كما في التفسير العلمي للدلالة تكون كما اللفظ، الذي يكون خارج معناه.
صراحة العنونة مجهولة نصيا، لكنها تكون هكذا في السياق الدلالي، أي هي منتجة للوحدات الدلالية للعنونة بتصورات عدة، عدا ما كان منتجا من بعد دلالي، اي هي قيمة كانت بعدة ابعاد، وليست بتسمية خارجية عابرة.
تعدد المداخل الثانوية
إن الاستهلال هو أحد الأسس القديمة في بناء المادة الأدبية، ويعتبر من أهم ما يعطي انطباعا للمتلقي على وجه الخصوص العضوي عن النص الأدبي، على اعتبار أن الاستهلال واجهة تشير إلى طبيعة النص الأدبي جماليا على وجه الخصوص, وسيان كان النص الأدبي سردا كمادة روائية أو قصصية، أو يكون شعرا أو خطابة أو ما شابه. والاستهلال برغم قصر حجمه الذي يؤشره أرسطو على أنه سطر أو سطرين، لكن من الطبيعي أن يعطي انطباعا على أنه تام وكامل، وبعد التطورات المتلاحقة في سياقات الكتابة الادبية، صار هناك الزاما يفرض على تطور المدخل او الاستهلال، وفي الرواية هناك تطور متلاحق كائن، وذلك لضرورات فرضتها الاشكال الجديدة للرواية، مثل تعدد المدخل الخارجي في رواية "شباك امينة"، وظهور وحدات نصية، كل وحدة تمثل ذاتها بذاتها، وهي ليست طارئة على النص بشكل تام، بل هناك تلاقي رؤى بين رؤى المدخلين والرؤيا الذاتية للمؤلف، وبالتالي تصب في رؤيته المضمونية، وهذان المدخلان الخارجيان في الرواية قد الحقا عضويا بالمدخل الداخلي الأساس، الذي نسميه مدخل الرؤية، فهو جزء لا ينفصل عن كيان متن النص الروائي، ويحيلنا اليه ابتداء، وقد يتضمن رؤيا/ رؤية، فقد تكون رؤيا المؤلف حاضرة عبر الراوي، ورؤية السارد عبر تمثله، أي أن هناك منظورا للمؤلف ومضمونا للسارد، وطبيعي اراد الراوي عدم الافصاح الاجمالي عن رؤيا المؤلف، وهذا التبئير مهم، فلابد الا تبلغ بؤرة المؤلف الوضوح التام داخل النص، لذا قدمه لنا بهذه الصورة الافتراضية والنسبية، والتي كانت تشكل وجها مختصرا للكيان الروائي علاماتيا أو دلاليا، أو عبر اشارة وصفية.
متن اللغة واللغات الثانوية
هناك نشاط شخوص متعدد الأصوات والايقاعات في الرواية، وهذا النشاط الحيوي يفرض نفسه على المتن الأساس للرواية، وهو كسياق لا يتأثر بل يتوازى مع سياقات اخرى، وهي لغات ثانوية هي في الأصل لهجات، ولكن نسميها في السياق العلمي لغات اجرائية، فهناك فمثلا البعد العقائدي لشخوص غير اساسية، يفرضون لغة العقيدة القاموسية، وطبيعي ستكون هناك لغة تقابل بشكل بنيوي اللغة الاساس، والذي قد حققته لغة المتن، وهناك البعد التداولي للغة عبر افعال الكلام المباشرة، وما كان من خطاب داخلي للغة في ابعاد الشعور والتفكير الذاتي، وقد تعددت ايقاعات اللغات داخل متن اللغة، فكانت تبلغ حد الجدل الافلاطوني، ومنها ما يتعداها بحدة عالية.
كانت صيغ الانتاج النصي عبر المتن اللغوي متعددة السياقات، فمتن اللغة بطبيعته الكبرى، يمثل الطاقة الخلاقة تعبيريا، وليس فقط سياق بلاغة نحوية او سردية، يمثل ابعادا بنيوية بصفات عدة، بل اطار حيوي للغة داخل كيان النص، وهناك ادارة داخلية له من خلال الشخوص، وادارة خارجية مراقبة، حسب السياقات المتاحة لها، وهنا يكون، داخليا، تقابلا بين مقومات النص التي يمثلها شخوص الرواية المتعددي الانتماء، وبين آفاق الشعور بماهياتهم في الخارج، والداخل، كلاهما يمثل ضرورة سياقية استوجبت أن تكون لتنظيم الخطابات والمرجعيات اللغوية، يضاف الى ذلك وجود أمكنة متعددة، منها ايضا ما يرتبط بالراوي، واخرى ترتبط بالسارد، وكان دور التوظيف قد اجيد بعناية واستدلال، وتعارض افكار وسلوكيات، وتمزيق نسيج اجتماعي ايضا بسبب الحروب الموروثة، والصراع الاثني بين المعتقدات، وكلها خطابات كانت داخل خطاب الوحدة النصية الكبرى، أي أن ما كان من لغات متعددة المناحي والغايات والمقاصد هي امثلة حية للمتن اللغوي العام للرواية.