ادب وفن

التشكيلية الفلسطينية ريما المزين: وعي الفنان في مواجهة الاحتلال .. القسم الأول .. / حاورها مازن المعموري

منذ سنوات ونحن منشغلون عن الحياة الفنية في الوطن العربي والاقطار المجاورة التي تجاوزت الكثير من مراحل الطفولة الفنية، فكنت حريصا على التعرف على مشهد جديد للفن التشكيلي العربي، حيث حفز التواصل العالمي لفنانين عرب وسهولة السفر والدراسة في أوروبا، التطور السريع والملفت للأنظار، فكانت الفنانة الفلسطينية مثلا رائعا للمنجز التشكيلي الفلسطيني وهي تحط الرحال في عاصمة الفن الغربي ايطاليا، وهناك كان الواقع العملي للحياة الفنية قد ساهم في بلورة تجربة الفنانة (ريما المزين)، التي عرفناها ابنة رجل باحث وفنان هو (عبد الرحمن المزين) حيث ساهم في صياغة هوية ابنته وتوهج موهبتها هناك.
الحقيقة انني وجدت ان اجراء حوار مع الفنانة سيمنحنا فرصة للتعرف على آخر منجزاتها الفنية واعطاء صورة جديدة لمسار الفن العربي وتحولاته الفكرية والتقنية وهو ما حصل فعلا:
- الى أي مدى كان الفنان الفلسطيني مدركا لهيمنة الثقافة الغربية تحديدا على مستوى الرؤية الجمالية والفنية في العمل الفني؟
 هناك هيمنة غربية بشكل عام على المجتمعات العربية نراها في التكنولوجيا والاعلام والدعاية وأيضا سلوكيات الحياة لأفراد.. ولعل أهمها الهيمنة الثقافية أو (الغزو الثقافي) ان صح التعبير، وهو أخطرها، فهو غزو سلمي بعيد عن العسكرية، غزو أصبحت فيه الشعوب العربية تتشرب الثقافات والعادات الاجنبية بكل سهولة.
وهذا بدوره انعكس على المشهد الفني العربي والفلسطيني تحديدا، واعتقد أن للفنان الفلسطيني خصوصية كونه (مازال شعباً محتلاً له قضيته العادلة في التحرر والعيش في كرامة انسانية تكفل حقه في الحياة) وهذا يلزم الفنان الفلسطيني الى حد ما، حيث تكون قضايا وطنه فلسطين محور أعماله الفنية على اختلاف مجالاته بجانب القضايا الاخرى والحالات الشخصية التي يعيشها الفنان كانسان يحب ويكره.
واتجاه الفنان الفلسطيني الى استخدام شتى انواع التكنولوجيا والمصادر والادوات الفنية المختلفة التي تخدم فكرته وتوصل صوته للعالم، الا ان" بعض "الفنانين اتجهوا الى تقليد الغرب تقليدا أعمى، بعيدين كل البعد عن المفردات الشكلية واللونية والرمزية لثقافتهم وتراثهم وحضارتهم التي تعد مصادر مهمة ومتنوعة لخلق اعمال فنية متفردة تعبر عن الانسان العربي بشكل عام والفنان الفلسطيني بشكل خاص، وليس بالضرورة هنا ان يكون الفنان تقليديا بطرحه، فبإمكانه ان يطرح موضوعاً قديماً بشكل معاصر وجديد من خلال توظيف ادوات ووسائط التكنولوجيا الحديثة.
- هل كانت الهوية مؤثرة على تفكير الفنان العربي في فلسطين، وما هي أبرز ملامح الهوية الفلسطينية في اللوحة التشكيلية المعاصرة، على مستوى الاجيال (رواد ومعاصرون) ؟
 اعتقد ان الفنان الفلسطيني لديه الوعي الكافي، لأهمية الفن الى جانب المقاومة على الارض في مواجهة الاحتلال، والصراع معه في تأكيد هويته الفلسطينية على هذه الارض وحماية تراثنا وثقافتنا الفلسطينية من التهويد والسرقة من قبل الاحتلال ومن سعيه الدائم الى نسب هذه الثقافة له. هذه الهوية كان لها الاثر الكبير على اعماله الفنية .
وانطلاقا من هذا الوعي الفني والثقافي ومن الذاكرة الفلسطينية الأليمة ، شرع الفنان الفلسطيني يسجل عبر اعماله الفنية تلك المعاناة ، وان يكون الشاهد على جرائم الاحتلال وبطشه بحق الشعب الفلسطيني من تهجير واعتقال وقتل وتنكيل وابادة جماعية كما حصل في (تل الزعتر) و(دير ياسين ) و (صبرا وشاتيلا) واخرها العدوان الاخير على قطاع غزة بالفسفور الأبيض المحرم دوليا..
اما عن ابرز الملامح الفنية للهوية الفلسطينية ، فتراها جلية في اعمال الكثير من الفنانين الفلسطينيين عبر الاجيال الفنية المتعاقبة ، وهنا اعرض تصنيفاً موجزاً لمراحل الفن الفلسطيني المعاصر ،على سبيل الذكر وليس الحصر :
(مراحل الفن الفلسطيني المعاصر) :
ان " الفن الفلسطيني هو لغة فنية شكلية جمالية، لغة ساهم في خلقها وتشكيلها، عدد كبير من الفنانين التشكيلين الفلسطينيين في جميع مجالات الفن، وهو وليد مجموعة من الظروف السياسية والاجتماعية والإنسانية المعاشة، وهو حصيلة من المصادر الفلسطينية التاريخية والحضارية والأسطورية والتراثية، أفرزت أسلوبا فنيا وإبداعيا، أعطى للفن الفلسطيني المعاصر خصوصيته وفرادته".
المرحلة الأولى: 1948- 1965
شهدت هذه المرحلة، حدث النكبة الذي جزأ الفنانين الفلسطينيين إلى فئتين، فئة الفنانين الذي لجأوا إلى بلاد الشتات، وفئة الفنانين الذي بقوا في الوطن. وشهدت هذه المرحلة مجموعة من المحاولات، حيث وظف الفنان الفلسطيني مواضيع مستلهمة من الطبيعة، فرسم المناظر الطبيعية، المواضيع الدينية والتاريخية,الملاحم العربية، البورتريهات.

المرحلة الثانية 1965-1971:
تعود أهمية هذه المرحلة, الى كونها البدايات الأولى لتبلور الفن الفلسطيني المعاصر, والبداية الأولى لرسم ملامحه ، وتأتي اهمية هذه المرحلة من كونها تضم اسماء رواد الفن التشكيلي المعاصر والتي ذكرت اسماء البعض منهم ضمن الموسوعة العربية للفنون وهم: الفنانون الرواد امثال اسماعيل شموط ومصطفى الحلاج ، د. عبد الرحمن المزين ، وسليمان منصور ،د. شفيق رضوان ، نبيل عناني ومحمد المزين ، عماد عبد الوهاب ، جمال الافغاني وغيرهم). يتبع الأسلوب الفني رؤية الفنان الخاصة. وظف الفنان الفلسطيني الرموز الفدائية والثورية, مثل قرص مس,الفدائي,الأسلحة,الساعد المغروس في الأرض.
المرحلة الثالثة 1971-1982:
وهي مرحلة الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأصبحت القضية الفلسطينية في طليعة حركات التحرر، اهتم الفنانون هنا، بإبراز الهوية الفلسطينية. ويتبع الأسلوب الفني أسلوب الفنان الذاتي والى رؤيته الخاصة. ووظف الفنان الفلسطيني الرموز الأسطورية والتراثية، واستلهم الفنان مواضيعه من المورث الأسطوري والتراثي الشعبي.
المرحلة الرابعة 1982-1993:
وتعتبر هذه المرحلة، نقلة نوعية من حيث الإنتاج كما ونوعا، وهي مرحلة ما بعد حصار الفلسطينيين في بيروت، ونزوحهم إلى بلاد الشتات ، وبداية الثورة الفلسطينية. وتخللت هذه المرحلة أحداث كثيرة كانت لها الأثر الأكبر على مواضيع ورموز أعمال الفنانين وقتها وهي المذابح التي تعرض لها الشعب الفلسطيني ,انطلاقة انتفاضة الحجارة، إعلان قيام دولة فلسطين يوم 15/11/1988
تأكيد الفنان على دور الفن التشكيلي، في تأصيل الهوية الفلسطينية، والحق في العيش في جو يسوده السلام والأمن، بربط الماضي بالحاضر، ظهور الفن التجريدي بقوة الى جانب الفن الرمزي والواقعي .
المرحلة الخامسة 1993- 2000 :
تخللت هذه المرحلة أحداث سياسية هامة، مثل توقيع معاهدة السلام (أوسلو)سنة1993 م ، وعودة الكوادر العسكرية والسياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى ارض الوطن، مما أشاع مناخاً من الاستقرار، والذي أتاح المجال لإقامة مؤسسات ترعى النشاط الثقافي بكافة مجالاته، مثل وزارة الثقافة ومؤسسات خاصة أخرى، ما أعطى للفنانين، مساحة من حرية التعبير وانطلاقاً بالأفكار. وبرزت اتجاهات حديثة، واستخدامت وسائط فنية متعدة بالتعبير ، رجوع الموضوعات التي تتعلق بالتراث، والموضوعات الاجتماعية .
واضيف هنا المرحلة السادسة 2000- 2013 :
مرحلة هامة تتخللها احداث عربية وفلسطينية هامة اثرت بدورها على المنطقة العربية والفنان العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، بداية بـ (انتفاضة الاقصى 2002) (الانقسام الفلسطيني 2006) (بناء جدار الفصل العنصري) (اتساع الاحداث الأليمة في العراق) (العدوان على غزة 2008) (ثورات الربيع العربي في عدة بلدان عربية 2011) حيث انعكس ذلك على التعبير الفني لدى الفنان الفلسطيني ، بالعودة الى الرموز الثورية و المواضيع الوطنية والقومية ، اصبح الفنان الفلسطيني يتشارك مع اخيه الفنان العربي التعبير عن قضايا التحرر والظلم والقهر . هذا بالاضافة الى التعبير عن الحياة الفلسطينية بكل جوانبها وتفاصيلها اليومية .
كما ان هذه المرحلة تتصف بافراز عدد كبير من الفنانين سواء الدارسين اكاديميا للفن او الفنانين الفطريين الذين صقلوا موهبتهم من خلال دورات فنية في الفن التشكيلي ، وهي مرحلة تتصف بالطفرة في التعبير الفني من خلال استخدام واسع للتقنية التكنولوجية وتقديم اعمال في مجال (الفيديو ارت) و (الانستلاشين)، والاهتمام الكبير بالصورة الفوتوغرافية تحديدا في غزة ، نظرا للاوضاع الراهنة من حصار ونقص في الادوات الفنية ، مما دفع بالفنان الغزي الى البحث عن حلول وادوات اخرى من البيئة المحيطة به ، لينتج اعمالاً فلسطينية اصيلة من رحم المعاناة ، فهم رغم الحصار يؤكدون لنا دوما ان الابداع لا يتوقف عند حدود ، فهم باعمالهم الفنية يجتازون كل المعابر وكل الحواجز وجدارن الفصل العنصري.