ادب وفن

أفراس زيد الشهيد بين الموت والحب .. القسم الثاني والأخير / هاتــف بشبــوش

يشهد جعفر حصول الهرج والمرج والسلب لمقر اتحاد الشعب، في يوم 8/8/1959 نتيجة التغييرات الحاصلة في المشهد السياسي ، والفتوى التي نالت من القوى اليسارية وإتهامها بالكفر ، فراح يتذكر كيف كان عمره في السابعة عشر عندما حصل السبي لبيت حبيبته (وهيبة) أيام دخول الانكليز ونهاية الرجل المريض ، فحصل نتيجة لذلك ، الفراق الأبدي بينه وبين حبيبته التي شدّت الرحال مجبرة غير مخيرة مع عائلتها بالعودة الى ديارها في ديالى . يتذكر كيف سُرقت بيوت الموظفين أنذاك ومنهم عبد الكريم شوكت المحاسب في المدينة القادم من أهالي ديالى ، وهو والد الفتاة وهيبة التي أحبها جعفر حسن درجال ، حيث يبدأ السلب والنهب بقلب بارد وكأنّ السرّاق لم يعرفوا هؤلاء الناس الموظفين الذين قدّموا لهم في يوم من الايام يد العون، وهذه الصفة ظلت مستمرة حتى يومنا هذا، في حين انّ عنترة بن شداد العبسي الشاعر الجاهلي الذي مات "كافرا"، كان يقول ( هلاّ سألتِ الخيلَ يابنةَ مالكِ ، اذا كنتِ جاهلةً بما لم تعلمِ ... يخبركِ من شهدَ الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعفُ عند المغنمِ).
يذكر باقر ياسين الكاتب العراقي في كتابه ( شخصية الفرد العراقي) ويقول ..... في الكثير من البلدان يحصل النهب والسلب وخصوصا في الثروات لكنها سرعان ما تنتهي إذا ما وجه قائد الثورة نداء الى شعبه فيتوقف السلب والنهب في الحال ، كما حصل في بداية الثورة البلشفية 1917 في روسيا وتعرض قصر الشتاء الشهير المليء بالكنوز والنفائس الثمينة والغالية الى النهب ولكن نداء واحدا من قائد الثورة لينين قد دفع جميع الثوار والجنود والفقراء الناقمين على النظام القيصري المنهار الى إعادة جميع المنهوبات الى مكانها وما زال الشعب الروسي يفتخر بهذه الصفحة الوطنية من تأريخه السلوكي . كذلك حصل السلب في بداية الثورة الاسلامية الايرانية ، لكنهم أعادوا كل المسروقات ايضا بمجرد إشارة من الخميني قائد الثورة ، وفي أفغانستان ايضا ، وغيرها من البلدان ، الاّ نحن مازالت مسروقاتنا ونفائسنا الثمينة تباع في بلدان العالم ... انتهى.
ثم تستمر الرواية بسرد السيرة الذاتية لجعفر منذ الصبا في عام 1917 ومظاهر الجندرمة والجيش الانكليزي حتى ممات جعفر ...الكثير من روايات السيرة الذاتية ، تبدأ من شيخوخة البطل المحوري للرواية ، والغالبية العظمى منها قد تناولتها السينما العالمية كما قلنا أعلاه ، ومنها رائعة (همنغواي كيلهورن) التي أصبحت فيلما رائعا وقد عرض في كافة صالات السينما العالمية قبل أيام , يبدأ بظهور كيلهورن زوجة أرنست همنغواي الثالثة وهي في عمر الشيخوخة حيث تقوم بسرد القصة الكاملة لحياتها مع همنغواي في فلم رومانسي مثير للغاية ، ( نيكول كيدمن الممثلة الامريكية من أصل استرالي كانت رائعة في دورها مارتا كيلهورن) وهي مراسلة حربية وصحافية . والنجم البريطاني البارع ( كليف أوين) بدور همنغواي الصياد والزوج والروائي والصحفي والسياسي، والعاشق الذي يموت منتحراً بطلقةٍ في الحلق وهو في عمر الستين .
تتطرق الرواية الى ما يشاهده جعفر لفلم سوفيتي في مقر اتحاد الشعب فيرى عالم النساء والحرية وكيف تصاحب النساء الرجال في المصانع في الاتحاد السوفيتي، ويفهم جعفرغاية الفلم التي تدعو الى إدانة التخلف والاعراف الهمجية التي عفا عليها الزمن، نرى من خلال هذه الثيمة , أنّ العراق في تلك المرحلة تأثر بتلك الافكار اليسارية القادمة نتيجة ثورة اكتوبر , وعشرة أيام هزّت العالم في روسيا ... كما نقرأها في الثيمة أدناه من الرواية..........
(ما الزمن الجديد والقادم الاّ زمن الاشتراكية حيث الجميع يعملون وينتجون ويتحركون ويرقصون ويتعانقون ويتحابون تحت سماء واحدة لاوجود غيرها، تلكم هي سماء الشيوعية سماء الامل سماء الشباب وتجديد الحياة).
لذلك يبدأ جعفرالشاب البسيط بالتفكير في أنْ يغير من حياته الظاهرية نحو الافضل، أراد ان يخرج من عباءة التقليد للأجداد والآباء، أراد أن يكسر طوق الملل والروتين السائدين انذاك، أراد ان يسبح في جوهر من المعرفة، جوهر آخر غير الذي تعوّد عليه.