ادب وفن

"نوبل" للآداب تتجه نحو الموسيقى

طريق الشعب
منذ أوائل الخمسينيات من القرن الفائت بدأ يظهر نوع من الموسيقى الشعبية التي عُرفت باسم "الموسيقى الشعبية المدينية". عن طريق عدة فرق موسيقية، وقد زاوجوا ما بين مواضيع الاحتجاجات السياسية والحساسية الفكرية المدينية وفق أسلوب موسيقي استلهموه من الموسيقى الشعبية الريفية. استمرت الموسيقى الشعبية المدينية في الازدهار خلال الأيام الأولى لظهور موسيقى "الروك أند رول" في ستينيات القرن العشرين. لكن بحلول عام 1967، انضمت الآلات الكهربائية والطبول إلى غيتارات فرقة "بيتر، بول وماري"، وظهرت أسطوانات هذه الفرقة على قائمة أسطوانات الموسيقى الشعبية العشر الأكثر نجاحاً. كان الشخص المسؤول عن هذا التحوّل هو الرجل الذي كتب كلمات أنجح أغنية للفرقة، وهي أغنية "بلوين إن ذي وند". كما كان أيضاً الرجل الذي نقل في الواقع بمفرده الموسيقى الشعبية المدينية إلى العصر الحديث لموسيقى الروك، وكان اسمه بوب ديلان. كان الوعي السياسي والثقافي لبوب ديلان قد توافق ووعي الأجيال الجديدة، الذين مثلوا مجموعة متزايدة من المستمعين للموسيقى الشعبية المستندة إلى التقاليد والأغاني المؤلفة جديداً حول القضايا الدائرة وقتها، بداية من تبعات حرب فيتنام، وحتى الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق، والتجارب النووية، والتمييز العنصري. كان عام 1965 محورياً في حياة ديلان المهنية. فقد انتقل من كونه أكثر مؤلفي الأغاني تميزاً بين فناني الموسيقى الشعبية المدينية الأمريكية إلى أن يكون الفنان المؤثر على مجمل الثقافة الشعبية الأمريكية في تلك الحقبة.
لا اتجاه إلى البيت
حسناً يا آنسة "وحيدة"
قد درستِ في أرقى المدارس، لكنك تعرفين
أنهم كانوا يعصرونك فيها عصراً
ولم يعلمك أحدٌ كيف تعيشين على قارعة الطريق
لكنك الآن مرغمة على اعتياد ذلك
كنت تقولين: لن أتساوم مع المتشرد الغامض
لكنك الآن تدركين: أنه لا يبيع الأعذار
حين تحدقين في خواء عينيه
وتسألينه أن يعقد صفقةً معك
كيف يبدو هذا.. كيف تشعرين
حين تكونين وحيدة.. ولا تعرفين طريق البيت
مثل نكرةٍ كاملة.. مثل حجر يتدحرج".
كانت أول أغنية فردية حققت نجاحاً كبيراً بعنوان "مثل حجر يتدحرج" التي أكدت أن تيار التغيير قد بدأ بالفعل في مفردات الثقافة الشعبية الأمريكية. ومن هذه الأغنية Like a rolling stone استوحى مارتن سكورسيزي عنوان فيلمه «لا اتجاه إلى البيت» عام 2005، هذه العبارة التي تتردد في الأغنية، هذا المجهول الذي أصبحنا نعيشه، كحال المرأة التي تتأسى لها الكلمات، والتي يلخص من خلالها بوب ديلان ما كان يشعر به جيل الخمسينيات والستينيات في الولايات المتحدة الأمريكية.
في هذا الفيلم يتابع سكورسيزي حياة بوب ديلان، وتأثيره على القرن العشرين في الموسيقى الشعبية الأمريكية والأدب الحديث، سواء الشعر والرواية وفن الأغنية. ويركز على الفترة ما بين وصول ديلان إلى نيويورك عام 1961 وتقاعده من الجولات العالمية ثم حادث الدراجة النارية الذي مر به في كانون الثاني 1966. هذه الفترة تلخص تطور ديلان موسيقيا وشعبيا ورحلته إلى الشهرة مغنيا شعبيا وكاتب أغان، والجدل المحيط به بسبب انتقاله إلى نوع ونمط جديد في الموسيقى، وهي موسيقى الروك.
الدرب الضيق
في الألفية الجديدة في حوالي عام 2012 كتب ديلان أغنية "الدرب الضيق"، ورغم كون الأغنية تنحو نحو الشكل الكلاسيكي، إلا أن خيال الرجل خلق حالة فوق واقعية، سيريالية إن جاز التعبير. لم تكن أغنية حب تقليدية كالمتعارف عليها، لكنه حب لا يعترف بالحدود مكاناً وزمناً وجسداً. "رأيتكِ تشربين من كأسٍ بلا قاع/ رأيتكِ تُدفنين، ثم تُبعثين من القبر". فبعد كل موت ستُعاد الحكاية والرحلة بينهما مرّة أخرى، إلى مالا نهاية. ودون أدنى استسلام. "لو لم ترفعني الحياة لمستواك، ستخفضك لمستواي الذليل". وما بين لحظات واقعية وأخرى كما ترسمها مخيلته تتواتر الحكاية مع هذه الروح الهائمة "والدتك تخلت عنك، والدك لم يكن أفضل/ حتى الموت بنفسه بات منك يتنصل". هذه الكلمات تتوافق ولحن يشبهها، لا يلتزم في تكراراته اللفظية بشكله الأساس، الأمر أقرب إلى فوضى وحالة من العبث لا جدوى منها ولا مفر. رجل يتذكر ما كان وهو في السبعين، يحاول استعادته وترتيبه وفق ذاكرته ووفق هواه، ما حدث وما كان يجب أن يكون.
بوب ديلان مغن وملحن وشاعر أمريكي. ولد في 24 أيار 1941، في بلدة دولوث في ولاية مينوسوتا قرب الحدود الأمريكية الكندية. تعود أصوله إلى مهاجرين يهود من أوكرانيا منذ عام 1905، تعلم العزف على الغيتار في طفولته، وتحول إلى عازف محترف على الهارمونيكا قبل أن يصل الثامنة عشرة من العمر. يعتبر من أكثر الشخصيات المؤثرة في الموسيقى والثقافة الشعبية لأكثر من خمسة عقود. والكثير من أعماله الأكثر شهرة كانت من الستينيات، وكلمات أغانيه فيها من الحكمة والاحتجاج الشيء الكثير لأنه ينتمي إلى الطبقة العاملة والمضطهدة في أمريكا، مما كان له أكبر الأثر على إنتاجه الفني. كما تم استخدام بعض أغانية كنشيد لحركة الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيين والحركة المناهضة لحرب فيتنام. واستمرت أغنياته كتعبير حي عن القضايا السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة، التي بالأساس تناهض سياسات أمريكا الخارجية، إضافة إلى ذلك نشر ديلان عدة كتب وكذلك مجموعة من اللوحات، التي عُرضت في المعارض الفنية الكبرى. ووصل ما بيع من اسطواناته أكثر من 100 مليون اسطوانة.