ادب وفن

حسين قسام النجفي يبعث حيا / امين قاسم الموسوي

اولا : حسين قسام النجفي شاعر شعبي من شعراء القرن العشرين, توفي في سنة 1959 حسبما وثق الكاتب الاستاذ مزاحم الجزائري في كتابه (خصائص الاسلوب في شعر حسين قسام النجفي).
والكتاب اسهامة كبيرة في مجال الادب الشعبي الذي - كما ارى- هو المصدر الاصدق في أي دراسة لتفسير الظواهر الاجتماعية، وذلك لحميميته في التعبير عن الواقع الاجتماعي. و الكتاب وان تناول مسألة فنية أسلوبية لكنه يرجع الظاهرة الى جذرها الذي انبثقت منه الا وهو المجتمع وما يمور فيه من احداث. وقد بذل الكاتب جهودا استمرت سنوات وسنوات لانجاز كتابه هذا, وألزم نفسه بمنهج اكاديمي صارم مبتدئا بمقدمة وتمهيد , مصدرا كل بحث بــ (اضاءة) كانت فعلا اضاءة ازاحت الكثير من الاتهامات الموجهة الى الشعر الشعبي كقوله: (... ان الاساليب الجديدة للشعر الشعبي لم تكن وليدة المعطيات العربية – ومن قبلها الاوربية – الداعية الى نفي اللغة اليومية او لغة الحكي محل لغة الفصحى ولا هي استجابة لها بل كانت استجابة لسنة التطور والتغيير الناجمة عن سلسلة من التطورات السياسية والاقتصادية والثقافية ) وبهذا يكون الجزائري قد نفى تهمة من اتهموا الشعر الشعبي بأنه (مؤامرة) على الامة وتراثها , واتخذوا من هذه التهمة الباطلة حجة لمحاربة الشعر الشعبي وفرسانه الذين كان اغلبهم ينتمون الى اليسار كعريان السيد خلف وكاظم اسماعيل الكاطع وشاكر السماوي وناظم السماوي و (ابو سرحان) والقائمة تطول اذا ما ذكرناهم فردا فردا.
ثانيا : ذكر الكاتب جهود من كتبوا في الادب الشعبي واشاد بدورهم وعلى رأسهم الراحل علي الخاقاني باشرافه على سلسلة (فنون الادب الشعبي) وذكر اسماء آخرين لهم اسهاماتهم في المجال نفسه , وقد فاته ذكر الباحث التراثي الراحل الشاعر عبد الحسن المفوعر السوداني, الذي ذكره حميد المطبعي في موسوعته عن اعلام العراق. اذ انجز المفوعر كتابا عن الالعاب الشعبية في العمارة طبعته له وزارة الثقافة آنذاك طبعة انيقة دقيقة، كما طبع كتيبا عن ابي الغمسي الخزاعي شاعر الغزل و الحماسة وآخر عن فدعة الزريجية. وله عمل آخر مهم وهو معجم الالفاظ الريفية او الامثال الريفية الذي ما زال مخطوطا عند ابنه الشاعر الشاب علي عبد الحسن المفوعر السوداني اضافة الى ديوان يضم اغلب شعره.
ثالثا: يرى الاستاذ الجزائري ان العامية في اقتراب مطرد من الفصحى المعاصرة وهذا استنتاج سليم جدا وبودي ان اقول ان لغة الحياة اليومية (العامية) في كل زمان ومكان تختلف بشكل او بأخر عن اللغة المقوعدة (الفصحى). فلغة امرئ القيس لا يمكن ان تكون هي نفسها لغة الحياة اليومية، ولكن الفرق بين اللغتين كان هينا بسيطا حد التماس لا التطابق. وكذلك الامر في لغات العالم. ويذكر المؤلف مظاهر الاقتراب بين اللغتين ويشير الى واحد منها وهو الشعر الملمع، الذي هو مزج بين العامي والفصيح. ويشير الى ان هذا النوع من الشعر ظهر في الستينات من القرن العشرين, واظن أنا ان الملمع ظهر قبل الستينات بكثير، وقد حفظ لنا الراحل علي الخاقاني في (فنون الادب الشعبي) نماذج منه خصوصا قصيدة (عذيه) التي مطلعها:
يا اخوتي قد دهتني اليوم كارثة
ارجوكم تسكتون واحچي القضيه
عيناي قد نظرت حوراء سافرة
تشبه البدر التام من يشع ضيه
رابعا : حسنا فعل الكاتب حينما كان يذكر وزن القصيدة وبحرها، ففي ذلك فوائد منها التمكن من اللفظ والقراءة الصحيحة المنسجمة مع الوزن. وقد لاحظت انه احيانا يجانب الصواب في تعيين التفعيله من ذلك مثلا:
جوعان عمره ولا شبع
والفگر من اذنه طلع
فهو يقطع الشطر الثاني على انه ( مستفعلن مستفعلن ) ومن الواضح انه: (فاعلاتن مستفعلن). ويبدو لي ان الشعر الشعبي قديمه وحديثه يجوّز هذا الانتقال والتغيير , والنواب في خالدته (للريل وحمد) كتب القصيدة فكانت غالبا من البحر البسيط مع خروجه عن هذا البحر هنا وهناك، اذ فيها مقطع من بحر الرمل في قوله:
چن حمد فضة عرس
چن حمد نرگيله
وحبذا لو ان الاستاذ الجزائري اعاد مراجعة تقطيعاته العروضية لشعر حسين قسام لان بعضها لم يكن صحيحا, كي يتلافى ذلك في الطبعة الثانية لكتابه، الذي أرى انه سيكون مصدرا مهما من مصادر دراسة الشعر الشعبي ممثلا بالشاعر حسين قسام النجفي. ويا حبذا لو اضاف جهدا الى جهوده الكبيرة بوضع هامش لتفسير المفردات العامية الصعبة والغامضة عند اكثر القراء ففي ذلك خدمة كبيرة لهم وللباحثين وحفظا لدلالة الالفاظ .
خامسا : كان الاستاذ الجزائري موفقا ايما توفيق في تحليله لشخصية حسين قسام التي جسدها اسلوبه الهازل و صوره السريالية التي اراد بها تعميق الهزل وانه (من غير الممكن فصل شعره وطرائفه عن مكوناتها الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية). فقد اصاب في هذا التعليل لان الادب – كل ادب – وان كان يبدو بعيدا عما كان يحدث في قاع المجتمع او في اعماق مبدعه, لا بد ان جذوره تعود الى ذلك القاع وتلك الاعماق. فطفولة حسين قسام التي عانى فيها من الفقر وفشله في الدراسة وحرمانه مما يصبو اليه, كل ذلك اثمر رد فعل في موقف من الشاعر, ذلك الموقف هو المعادل الموضوعي لابراز صورة التحدي التي جسدها احساسه بالصراع الطبقي ووقوفه الى جانب طبقته المعدمة يصور فيها الكثير من صور ذلك الصراع كقصيدته (العتوي يريد يصفه ويالجريذيه). ومنها ماجاء على لسان زعيم الجريذيه مخاطبا ابناء جنسه محذرا من استغلال (العتوي) وخداعه:
اخبركم وياهانجان تتحدون
هذا دين ما عنده ولا مامون
يگللكم يريد وينكت البزون
وهذا الكل كما يتعبر عليه
ان حرمان الشاعر وفقره وفشله في الدراسة افرز اضافة الى فضحه للاستغلال و المستغلين افرز شخصية هازلة بشكل عجيب غريب، حتى تجسد ذلك العجب وتلك الغرابة في صور سريالية كما ذكر الكاتب, ومنها:
تصدگوني من اگلكم شفت شوفه
شفت اعرج مگرم يمشي عالطوفه
ذيله شيلمان وبطنه مخسوفه
حلگه من وره وعينه بديهيه
بقي عليه ان اقول للاستاذ الجزائري اني لم افهم ولم اقتنع بما ذكره في الخاتمة بقوله: (اقتربت شعريته من لغة الحياة اليومية وتحاشت الالفاظ العامية الصرفة, ونزعت الى انتقاء المفردات الفصحى ...). كيف يصح هذا الاستنتاج ولغته هي لغة الحياة اليومية بالفاظها العامية البعيدة عن الفصحى وكل ما ثبت من نصوص للشاعر عامي بعيد عن الفصحى؟!
اقول هذا عسى ان يتداركه الاستاذ الجزائري في الطبعة الثانية.