ادب وفن

قصيدة غجرية مقترحة للشاعر طالب عبد العزيز / حميد حسن جعفر

الاقتراح مشروع مفتوح، مشروع حياة ربما تكون منفلتة. الشاعر هنا بحاجة إلى الآخر ، والآخر هنا هو القارئ، والقارئ ذو نوعية، أي أن الشاعر بحاجة إلى قاري قادر على صناعة الإضافات. القصيدة ذاتها تقف عند نقطة التقبل لرغبات القارئ ، إذ أن وجود أكثر من شخصية - من الممكن أن تكون جميع الشخصيات في هذا النص رئيسة، "الغجرية الأم/ الغجرية البنت/ الغجري الأب/ الفتى الجندي/ المهر"، وان لم تكن العبرة في تعدد الشخصيات، إلا أن فعاليتها هي التي بإمكانها أن تقدم للنص الكثير من أسسه أو الكثير من اختلافاته!
طالب عبد العزيز ينتمي إلى الشعراء الذين باستطاعتهم أن يمسكوا بعنان القصيدة مهما كانت وحشيتها، وهو لا يمكن إلا أن يذكر القارئ بشخصيات الشعراء الغجر، الشاعر يقف خارج النص ، هو المراقب وكائنات النص هي التي تقيم نصها/ قصيدتها، لذلك كان السارد بلغة القص ، والمتحدث والذي يدير شؤون النص غير بعيد عن الشاعر نفسه.
الحب في المجتمعات البدائية "الغجر"، خاصة وسواهم كـ "مجتمعات البدو الرحل والرعاة أو المجتمعات المنفلتة "الشحاذين وكائنات قاع المدن"، العلاقات الإنسانية داخل هذه الشرائح علاقات تنتمي إلى الانفتاح، "لا انغلاق، لا سلطات لا دولة، لا حكومة، لا مجتمع، لا أفكار دينية متعصبة"، لذلك نجد البنت الغجرية لا تتحاشى البوح أو الكشف!
الحب هنا مفصل شخصي ، ممارسة لنوع خاص من الحريات ، بل إنه يوازي الحقوق!، وعندما تعشق البنت ، على الأم أن تتخلى عن بعض حقوقها ، إلا أن الفتى ما زال مهره مربوطا إلى قضبان نافذة الأم ، الأم تمتلك التجربة البنت تمتلك القبض على المستقبل ، وعندها الجندي يمارس شيئا من سلطة الذكورة ، ولكن دون إفساد الموقف.
طالب عبد العزيز، ومنذ العتبة يعلن عن انفتاح نصه، عبر الشخصيات الغجرية المنفتحة، اجتماعيا وأخلاقيا، من غير الاحساس بارتكاب الإثم! إذ أن الحب "الجنس بمفهومه الأعم والأشمل ما هو إلا ممارسة حياتية، بل هو الفعل الذي لا يقابل إلا المشاع من المتع، إلا المشاع من أمور الحياة/ الماء والهواء، الجنس هنا فعل ينتمي إلى الحقوق، الجنس قد يشكل الجنس جزءا منه! وإن لم يكن كذلك فلا بأس من الجنس المكتفي بذاته.
لقد كان طالب عبد العزيز أمينا على أخلاقيات الشعراء الغجر الموالين ، أو ما ينتمي إلى شريحة الصعاليك أو الشطار. فالشعر لا يكتب تحت سلطة الخوف من الاخر! الخوف من أن يفشي الكلام الذي يقال جميع السرانيات!
طالب عبد العزيز لا يشتغل على سرانية القصيدة هنا ، القارئ هو الذي يصنع السرانيات.
الشاعر، هنا يقلب المعادلة الشعرية ما بين الشاعر الشاعر والقارئ ، معادلة الشاعر يخبئ والقارئ يكشف، إذا لدينا شاعر ولدينا قارئ شاعر.
هل من الممكن أن يضيف المتلقي نفسه إلى جملة شخصيات القصيدة ، بإمكانه أن يمتلك صفة المراقب ، وكذلك صفة المشارك.
قارئ طالب عبد العزيز لا يمكن إلا أن يكون فطنا، يصنع الشعر ولا يكتبه، محاولا الاحتفاء بالنسخة الجديدة لشخصه ولما فعل الآخرون من فعلته! ، المتلقي/ القارئ عليه أن يقف خارج الممنوعات، أن يستقبل النص المملوء بالخروق، والذي يعتمد أساسا على موضوعة الحب والعلاقات الجنسية الواقفة خارج خطوط الشرعية .القارئ هذا عليه أن يكون معترفا بحقوق المرأة الانثى بأن لا تبقي على المكتوم من الرغبات.
القارئ خامس الأربعة أو سادس الخمسة ، أن صناعة الحياة بشكلها هذا يتطلب نوعا من الشجاعة وقد يسميها البعض التجاوز.
بساطة شكل النص كثيرا ما تدفع بالمتلقي إلى البحث عما خلف الوضوح أو البساطة أو المكشوف ، فالمتلقي لا يمتلك القناعة النهائية، على أن القصيدة قد قالت كل ما لديها! وما عليه سوى أن يودع فعل القراءة إلى فعل الاطمئنان.
وبقدر ما يكون النص بين يدي المتلقي قادرا على الفرز ومنح القارئ الكثير من اللا توقعات، أي أنه نص يعطي، فهو نص وبنفس القدرة نص يعطي - يستقبل اقتراحات القارئ عبر الإضافة والحذف والتغيير، من أجل إنتاج مجموعة من النصوص، بعيدا عن إلغاء النص الأصلي.
نص الشاعر نص غير قابل للحذف أو للإلغاء، أنه قابل للتمثيل الشعري ، أي أن القراءة من الممكن أن تتحول إلى عملية التمثيل الغذائي ، أي أنه نص مانح، نص ينتمي إلى الجود والعطاء عبر عملية عدم توقفه عن التعبير.
القرارات لا يمكن أن تتوقف ، لذلك فإن مفروزات القراءة سوف تستمر في عطاءاتها!
طالب عبد العزيز يقدم اقتراحا للقراءة عبر قصيدة تحاول أن تأخذ بيد القارئ إلى مدن الفجر، إلى يوتوبيا القاع، حيث العلاقات المتشابكة المحصورة، غير المعترف بها خارج تشكيلات مدنهم المتنقلة، حيث الرقص والملذات.
القارئ هنا كائن باحث عن الكيف والطرب والتخلص من أتعاب النهار - حيث اشتغالات العمل والعائلة وملابساتهما، الشاعر يكتب عن المختلف فيه اجتماعيا وثقافيا وسلوكيات وأخلاقا!
هل تحاول القصيدة والشاعر كذلك أن يقترحا طقسا قرائيا يتمكن من خلاله القارئ أن "يتبطر"، وأن يضع ساقا على ساق، متكئا، معلنا عن عزلة مؤقتة تجمعه مع كائنات أكثر حرصا على ممارسة الشعرية و الجمال ، ولكن وفق طرائقهم هم وليست طرائقنا نحن؟
هل تتطلب ممارسة الحياة ثقافة أو معرفة خاصة ؟، فمن متع الحياة هذه البحث عن الجمال - جمال الصوت والجسد والفضاء المفتوح على المدى، واذا ما كانت هناك نافذة يربط إلى قضبانها - المهر ، فإن الفضاء الذي تدور فيه أحداث النص فضاء مفتوح من غير نوافذ ولا أبواب، أرض مفتوحة على السماء مع شيء من السرانية التي تمنح الإنسان/ الكائن البشري شيئا من الاطمئنان الذي يقود إلى تفرده -- تفرد الإنسان بممارسة الحياة ومتعها.
من الممكن أن تكون القراءة أكثر هذه المتع قدرة على صناعة الحياة الخاصة.
الشاعر، وكما هو شأن الشعر بشكله الإبداعي لا يتحرك على سطح الحدث -- لا أريد أن أقول أنه يغوص -- لأن الأحداث هي التي تتصاعد من الأعماق نحو السطح بفعل قدرة الشاعر على صناعة المشهد الشعري ، حيث تتجاوز الحياة وممارساتها جميع الممنوعات لشريحة اجتماعية أو جماعة لا تنتمي إلى الجغرافيات - رغم أهميتها - بقدر ما تنتمي إلى الحياة نفسها ،لذلك يراها الشاعر والمتلقي، والقصيدة كذلك تتحرك بعيدا عن الانتماء الإجباري/ الإلزامي، لما اتفق على تسميته بالوطن . ورغم ذلك فإن طالب عبد العزيز – الشاعر، يكتب قصيدة تنتمي إلى الوطن/ العراق ، وقد يحدث هذا في أماكن أخرى - حيث يتواجد الغجر -- تلك الأقوام التي تتخذ من العالم وطنا لها، تلك الأقوام التي تنتمي إلى ما يسمى بـ الكوزموبولوتية.
لا بد من أن يكون الغجر عامة هم ورثة الأقوام الأوائل الذين كانوا صناع الحياة / صناع أديان ، قبيل أن تبدأ الأديان السماوية بالظهور على سطح الأرض ، هم بقية أقوام وأمم تتحرك بعيدا عن أنظمة الدول والحكومات والقوانين ، تتحرك خارج الدين والمجتمع والممنوعات.
قصيدة غجرية مقترحة.. نص يتحدث عن "الحب في زمن اللا كوليرا"، عن الحب في زمن اللا ممنوعات!