ادب وفن

الساحر / ابراهيم الخياط

حسن كريم عاتي.. إنه من القصاصين السحرة.. تقرأ له قصة اسمها (قُماشة الجنفاص) فتبدأ بقوله: (عند لحظة سريان السمّ في جسدي، في هذا القفر، لا يتراءى لي سواكِ، ولا أراني مجبرا على الاعتراف إلا لكِ، وأعلم استحالة وصول صوتي اليك. وليس لدي من مدونة إلا قلبي. استنزف منه ذكرى لك، لأغلق عيني على صورتك التي أحببتها).
وها هنا يتجلى حسن كريم عاتي، انه يقرض ويشعر ويسحر، ولكن ليس لهذا الأمر أقول عنه: إنه من القصاصين السحرة، فبعد صفحةٍ من سرد أو سمو قصته (قماشة الجنفاص) يقول: (كـ "اين الريب" أشكو الموت وأنتظره في القفر الفاصل بين وطن أنت فيه، ووطن ألجأ إليه. أنظر الالوان الملونة لنقطة التفتيش التي درت حولها للخروج من وطن أفكر بالعودة إليه ليلا، كـ "لصّ" يكاد يقبض عليه متلبسا.. أهرب من بلدي إليها).
وثانية لا ينقطع عن حسن كريم عاتي القرض والشعر والسحر، وثانية أقول: ما لهذا، أقول عنه: إنه من القصاصين السحرة، لأنه بعد صفحتين أو أكثر من قصته (قماشة الجنفاص) يقول: (قد أغادر الوطن في أيّ يوم، أو في أية ساعة. وتصححين عبارة "أغادر الوطن" في نبرة مشاكسة: "تهرب من الوطن". وبتبجح أوافق على التعديل، وبابتسامة غرور تدركين ما أعنيه، فتقولين برد حاسم:
- الا أوگفك على رجليك!
فيزداد حبي لك بهذا التحدي الذي تشهرينه بوجهي).
وهنا - حسن كريم عاتي - لا يقرض او يشعر أو يسحر بل يوغل في القرض وفي الشعر وفي السحر، ومع هذا التوغل والايغال فانك مصرّ على رأيك انه ليس لهاتين الكلمتين الساحرتين أو تينك الكلمات الساحرات تراه من القصاصين السحرة.
وتصل قصة (قماشة الجنفاص) الى نهايتها فيقول: (لا أعرف في أيّ أرض سيكون موتي مفجوعا بقاتل لم أره، وأنسل بين حبيبات الرمل من دون صوت.. أسفت أني لم احملهم رسالتي إليك.. أحبك).
وبهذا السحر العظيم ينهي حسن كريم عاتي قصته، ولكن ما لهذا تقول عنه: إنه من القصاصين السحرة.
لقد انتهت القصة التي إسمها (قماشة الجنفاص) ولكن لم يأت على ذكر الاصباغ أو الازميل أو الفرشاة أو الستاند أو البرواز مع ان قصته تحمل اسم (قماشة الجنفاص).
أنا عرفت: لماذا؟
لأنه لم يكتب قصة ليقدمها لنا زادا للقراءة بل رسم لوحة تشكيلية ساحرة ووضعها أمامنا ووشى بذلك في العنوان الموحي.
ألم أقل إنه من القصاصين السحرة.
بل وأزيدكم من الشعر بيتا، فما أن تلتقي به وتصاحبه حتى تعرف أنه ابتداءً انسان ساحر بلطفه الانساني الجزيل وبموقفه الوطني الجليل وبأحسن القصص التي يكتب.