ادب وفن

سمر المقرن تبحث عن صوتها في «نساء المنكر» .. القسم الثالث والأخير / عباس باني المالكي

هل التصريح بالخيانة أمام الآخرين يلغي هذه الخيانة أم ماذا؟،هل هذا الفعل يجعلها متصالحة مع نفسها أم ماذا؟، (هكذا كانت تعترف أمامي وأمام السجينات، بعضهن يعتبرن كلام نورة وقاحة، أما أنا فانظر إليها نظرة إكبار إذ يكفي أنها متصالحة مع نفسها، صراحتها تعكس واقعا) ص48 ، لكن هذا لا يدل على أنها متصالحة مع نفسها بقدر هلوستها ما جعلها في حالة هذيان وضياع وانسحاب على كامل وعيها واختلاط الأمور عليها وبسبب تحطم قدرتها على التمييز بين الصحيح والخطأ، حيث ندرك أنها خالية من المفاهيم التي تحدد سمات هذه الشخصية.
نتعرف على الشخصية الثالثة (سميرة) التي تعيش في نفس الزنزانة والتي نشعر بعدم اختلافها عن باقي الشخصيات الموجودة في الرواية سوى أنها تقتل زوجها وبإصرار مفتعل لا نعرف كيف وصلت إلية [سميرة التي اشتهرت بلقب (فتاة عسير) تقطن الزنزانة منذ أكثر من ست سنوات لجريمة قتل اقترفتها بحق الرجل الذي سلخ عنها دميتها وألقى بها خارج دائرة الإنسانية] ص49 لا نعلم كيف تم رميها خارج الدائرة الإنسانية ونحن هنا نشعر أن الروائية لم تكتب الرواية بل كأنها تكتب قصيدة مقتضبة لأنها تعرض النتائج بدون نمو هذه الشخصيات وفق المسار الدرامي لأحداث الرواية حين تحاول أن تبرر هذه الجريمة ( سميرة لم ترتكب جرما ولم تقتل حتى وأن أطلقت عليه رصاص البندقية ورفعته بذراعيها النحيلتين لتمزقه)ص49.
وتتحدث سميرة عن المجتمع الذي ضغط على سميرة ونورة وجعلهن يصلن إلى الأسباب التي أدت إلي أرتكابهن لأفعالهن من خيانة وقتل ،هذا المجتمع الذكوري الذي فقد كل المبادئ والقيم الإنسانية، فبالرغم من نقدها هذا المجتمع الذكوري (ينفذ وفق قوانين ذكورية ومحاكم ذكورية ومجتمع ذكوري، عليها هي إن تنظم سير حياتها أو على الأقل أن تصمد في وجه كل هذا الطغيان الذي تعامل به المرأة في بلد وفق أنظمة أنثوية لفظا وذكورية تطبيقا) ص71 تتنازل إلى هذا المجتمع الذكوري فهي تطالب النساء بالصمود في هذا المجتمع وفي نفس الوقت تبرر كل أفعالهن السابقة من قتل وخيانة وهي بهذه الحالة تصل بالتداعي الذهني إلى حد لا تعرف من المرأة كيف تكون ولا تعرف أن تجعل تعول هذه الشخصيات وفق مسار ينفرج به هذا المسار، وهي بذلك تظهر أنها مشتتة الفكر باستخلاص النهاية التي يجب أن تصل لها عقدة الرواية بإيجاد الحل إلى هذا الاضطهاد الذي تتعرض له المرأة في مجتمع يعيش على هامش الحياة في الفكر والروح..أي أنها تؤكد ما هو موجود ضمن التاريخ الذي جعل حضور المذكر هو جوهر اللغة وتعمقت الذكورة في اللغة عبر الكتابة حتى صارت وجهها وضميرها أي تعالي الذكورة على الأنوثة وعليه أن تخضع المرأة إلى سلطة الرجل بأي شكل كانت وهي بذلك تطبق قول أرسطو (ان المرأة ضرورية للرجل ضرورة العبد للسيد) حيث أنها لم تستطع كما قلت أن تدعم حرية المرأة وإنسانيتها بل هي جعلتنا نصل إلى حقيقة التي ينظر المجتمع الذكوري إلى المرأة من خلالها حيث أنها لا تجد حلاً جديداً إلى نضال المرأة بإرجاع إنسانيتها المستلبة من الذكور بل أننا نجد نهاية الرواية تجعل شخصيتها الرئيسية وهي سارة لا تجد لها عملاً سوى أنها تتحول إلى ساقية القهوة (حتى وأنا اعمل تحت مسمى (صبابة) اندمجت في العمل ، أمسكت بدلة القهوة والفناجين بكل احترافية. من يراني لا يصدق أني لم أمسكها من قبل) ص76 وهي بهذا تجعلها كجارية وكأنها تتفق مع مفهوم الذكور بأن المرأة لا تصلح أن تكون أكثر من جارية في حضرة الرجل أي أن النساء ما خلقن إلا من أجل الرجال وهي بهذا تسقط نضال النساء في جعل المرأة لها دور حضاري وإنساني واللواتي يحاولن من أجل التصدي لهذا بحماس وثقة اعادة المرأة من هامش الحياة في المجتمع الذكوري إلى دائرة الفعل في الحياة والتاريخ. كما قدمت نماذج عن المرأة تشوه صورتها بتوكيد شبقية جسدها كما أنها غالت في معالم هذه الشبقية مع أن الرجل هو الذي شوه المرأة وسلخ أنوثتها.. كما أنها حين انهت الرواية باكتشاف أن الرجل الذي تشارك في عرسه هو رئيف التي أصرت على أنه حداثي ويختلف عن باقي السعوديين والتي جازفت من أجل اللقاء به فأوصلها هذا اللقاء إلي المأساة التي عاشتها في السجن .. مع هذا لا تجد حلا سوى بصيرورتها جارية إلى هذا الرجل، وكأنها تريد أن تقول لا يمكن أن تتواصل المرأة مع الرجل إلا من خلال جعل المرأة جارية عند هذا الرجل وهي بهذا تذكرني بقصة الجارية تودد في قصص ألف ليلة وليلة والتي تفوقت على الرجال بحضرة هارون الرشيد وهزمتهم ولكنها حين طلب منها الخليفة هارون بأن تطلب أي شيء لم تطلب سوى تكريم سيدها ورجوعها جارية إلى هذا السيد وهي بهذا تؤكد عدم قدرة المرأة على الحفاظ على حريتها إلا من خلال بقائها خادمة في حضرة سيدها الرجل.
كما نجدها تبرر أفعال النساء اللواتي ارتكبن الخيانة والقتل ولا تبرر للنساء المحجبات حيث تقول عنهن (هذا النقاب شكل شخصية نسوة المنطقة وترك لهن وهم القناعة بأنه يضمن لهن (حرية) ما دُمْنْ خلفه بقدورهن ان يمارسن المراقبة بكل اطمئنان إن أردن أن يمارسن الدعارة فلا مانع لكونهن شخصيات مجهولة ومحجوبة عن الآخرين) ص 13 أفلا يكون النقاب قد فرض من قبل المجتمع الذكوري وحتى الحالة التي يعشنها من الدعارة وهن محجبات ألا تكون بسبب الرجل وما الاختلاف بينهن وبين اللواتي التقت بهن في السجن ألا يكونن سبباً من أسباب المجتمع الذكوري الذي تصورته كما قالت (يا لكم من جبناء تنعتونها بالضعيفة وما من ضعيف سواكم، تخشون المرأة ، تهابون لقاءها، وتعجزون عن كبت غرائزكم عنها ، في حضرتها تتبخر قوة العضلات وتتلاشي هيبة اللحي والشنبات)ص9
فعندما نناقش الأسباب التي أدت إلى جعل النساء نساء المُنكر لا نجد سوى أنهن يعشن في مجتمع ذكوري خارج كل القيم الإنسانية والدينية ولا يطبق سوى شريعة الذكور المنحرفة عن التوجهات الحقيقية للقيم السماوية والأرضية بل قيم أقامها الرجل بنفسه من أجل أن يشبع نوازعه الشهوانية الجسدية (هذا إن كنت انسانا من حقه أن يستخدم عقله ولسانه لتصل رسالته إلى من يريد وفي أي وقت يريد ...هل نستخدم نحن السعوديين ألسنتنا كأداة حقوقية؟، حتى هذا اللسان بات لا يعرف إلا الخبائث بعد تعرضه للقمع) ص23 في أي مجتمع بقدر ما النساء يتعرضن إلى القمع كذلك الرجل يتعرض لنفس القمع لذلك ضاعت كل القيم فيه، أي من الممكن أن نقول أن هذا المجتمع هو المُنكر وليس النساء.