ادب وفن

"زهايمر".. الغاية الداخلية والعوامل الخارجية / محمد يونس

مثلت العنونة في رواية "زهايمر" للروائي عبدالزهرة علي حالة تقف عند كل سياق من سياقات النص الموازي، ففي البعد اللغوي هناك اشارة الى منحى علمي، غير متداول في الافق الاجتماعي، وليس في اصل متن اللغة، لكن في البعد الدلالي هو أحد أمثلة الدلالة الالتزامية، والتي تلتزم معنى غير مباشر، وبذلك تتيح للنص الموازي أن يأخذ مدى أوسع، وتلتزم الدلالة هنا بمعنى غير مباشر، فتكون العنونة مثار تأويلات أيضا، ولا تقف التأويلات عند حد القارئ الواعي، والذي نسميه بالقارئ العضوي، بل هي تبلغ حدود القارئ العادي وغير العضوي، أي غير متربط بكيان النص ويسعى إلى اكتشاف بؤرة السارد، أو يقوم بتفسير جدلي لها، وتلك سمات القارئ التأويلي، وهنا نقف على اشارة تحيل الى عنونة الرواية برغم أنها قاموسية، لكن الدلالة الالتزامية تخرجها من مدار القاموسية، وتكون كنص مواز وأن لم يتعالق من النص، فهو يشير عبر الدلالة الالتزامية الى مضمون المتن ومحتوياته الدالة.
الفطرة واليات الكتابة الروائية
هناك فارق بين الفطرة الفنية والموهبة. الفطرة صفة ذاتية محضة وخالصة وثابتة فيما الموهبة تشترك في جانب مع الفطرة في البعد الذي تختص فيه بحالة ثبات وفي الجانب الثاني متحركة وغير ثابتة, وهنا تكون كأنها عملة بوجهين، واحد ثابت والآخر يتغير, وهذه الموهبة الفنية اطار أساس عند الروائي بينما يراها بعضهم القيمة الاساس في الكتابة واشبه بمنهج محسوس يمكن أن تتحرك من خلاله الرواية الى أمام لتكمل سيرورة حياة، ربما جوهرها هو ذات معنى الفطرة الفنية تماما.
وراوية كرواية "زهايمر" هي ليست تقليدية، وتواجه بين الفطرة البشرية للكاتب وبين آليات الكتابة الجديدة، وعلى الأخص الخيال الخلاق، أي الخيال الحر، والرواية هي انموذج للتحديث الروائي حتى في اطار الثيمة، اضافة الى الفصول المتنوعة، الشخوص والايقاع، وتلك الصيغة التحديثية للرواية، وهي تحتاج وعي ادارة ومتن وعناصر بناء، وفيها سياق حساس، هو الارتداد السردي تجاه الفطرة، ومن ثم العودة لتحقيق المعادلة التي تمثل مغزى الروائي، وتدفع التفاصيل الحدثية نحو النتائج، وهناك الارتداد السردي الذي يدعم الغايات الداخلية المرتبطة بعامل خارجي، مثل العلاقة بين الموهبة الفنية والمخيال الاجتماعي، بالرغم من التقاطع الحاصل بينهما في جوانب فنية حساسة وعالية، والتي ترتبط بالغايات الداخلية.
الغاية الداخلية والعوامل الخارجية
الغاية الداخلية للرواية متحققة في كل سطر من المادة الروائية للرواية وبتمثلها كعمل ابداعي وعلى الأخص روائيا. وهنا نشير عبر منظومة الوعي النقدي الأدبي الى مسألة مهمة في تأكيد فكرتنا, تتمثل في التمييز بين ما يسمى سياقيا بالموضوع الطبيعي، وسمة موضوع كهذا هي امتلاكه غاية داخلية بين الموضوعات الثقافية الخاضعة لغاية خارجية. وقد أصبح هذا السياق التمثلي دون وظيفة اساس، تقريبا هو المسيطر في النظرية الأدبية، وفي الرواية خصوصا، بعد تمركز الرواية الجديدة، وعلى وجه الخصوص ما ابدته الرواية الفرنسية من تطورات كبرى، حيث اكدت طروحاتها بصلابة. بينما استغلت الرواية العراقية المعاصرة اطار آخر، جرى بتخليص السارد من مركزيته، حيث تجد فصول متتابعة بأسماء شخوص، أي كيانات تلك الفصول، وتسيدهم النسبي، ورواية "زهايمر" هي واحدة من تلك الروايات، وسيجد السارد نفسه، كما سنرى، امام شبكة هائلة من الأنظمة الفلسفية والجدلية والتعارضات ذات الاتجاه التطوري. وهناك ايضا ايقونة مهمة، في اطار العلائق بين الموضوعات، ووجود كيان متخيل مثله.. تمثال الرصافي، هو محور مهم وحساس ومتحرر تماما، فيما يصعب على السارد قوله على لسانه او التفكير به بشكل واضح، لأن العوامل الداخلية الحساسة منها مرتبطة بذلك الكيان المتخيل من واقع تاريخي، وتبث روح القهر والانتفاض بكيان يبدو هو عامل خارجي يرتبط بغاية داخلية، لكن هو بمضمونه غاية داخلية، وخارجيا هو جزء من بؤرة السارد.
الهيكل والمحور والتوظيف
ان المستوى الدلالي لكل من المحور والهيكل في رواية "زهايمر" قد تمثل في مستويات عدة منها الاشاري واللفظي من جهة الهيكل والمعنى والتعبير، سواء كان رمزيا أو يمثل وحدة أفكار انثربولوجية من جهة المحور, ومن الطبيعي وظيفيا كانت هناك سمات مشتركة في تلك المستويات تقريبا يتحدد وفقها الافق الانثربولوجي والتاريخي في كيان العمل الروائي لعبد الزهرة علي، وكانت سياقات التوظيف ملامح الماضي والحاضر وحتى المستقبل غير منقوصة ولكنها تكتمل تدريجيا، عبر التفاعل المشترك لكل المستويات التي تمثل جهتي الهيكل والمحور, وهنا يكون ما نتلقاه من معلومات داخلية أو خارجية، يأخذ وجه القناعات التامة من قبلنا، وكأنما نحن ازاء معلومة حساسة قد اكتشفت للتو, أو قبالة اجابات غير معلنة للوضع البشري تدعونا إلى التأمل والتفكير، وتلك من الميزات المهمة للهيكل والمحور باختلاف نسبي، فالعوامل الخارجية مرتبطة بمعمارية الهيكل الروائي، أما الغايات الداخلية فهي مرتبطة بالأساس بمضامين المحور، ولا تقف عند حدود محددة وملمح ثابت، حتى وان كانت الرواية بنسبة هيكلية كبيرة، حيث الاسماء، من شخوص الفصول والنسبة النصية الظاهرية لترادف التسميات والمسميات الاخرى هي داخلية وتمثل المحور الروائي، كونها ككيان مفترض من تاريخ جامد المتن، لكن كون المنحوتة تنتمي الى الفن والواقع، فقد تمكن الروائي عبد الزهرة علي من جعلها كيانا من لحم ودم افتراضا، وقد تغيرت الرواية بعد ذلك واتجهت الى توسيع مساحة المحور, فلا تجد هيمنة تامة للشخوص ككيانات فاعلة، الا بإشارة عابرة، هي لابد أن تتلاشى بعد حين، وتبقى الاحاسيس والمشاعر وما بلغه المحور بعد توسع مساحته بتوغله في مديات الجوهر الانساني.
الزمن الروائي هنا ايضا كان مختلفا فمن نسبية الهيكل التي تبديه ارسطيا الى كيان شخصية مفترضة – حقيقية – متخيلة – واقعية، وما بثه الروائي فيها من الاحاسيس والمشاعر في المحور، التي جعلته يتغير من تلك الصفة الارسطية الجامدة تقريبا الى حراك متغير، ولكن دون الوقوف عند معنى واحد محدد , واما المعنى العام للرواية فهو قد توضح تقريبا عبر التفاصيل التي اشار اليها اللفظ وابانها الخطاب، سواء في جهة الهيكل أو الجهة المقابلة للمحور.
ترادف الخطابات
هناك سياق مهم في البناء الروائي متمثل بعامل الوعي السردي في ابانة الظروف المختلفة عبر نشاط زمني موائم، ليس في حدود الصياغة للمضمون بل الابانة عبر الموهبة والاطار السردي، وان كان له مضمون يؤكد سمته في الابانة والتعبير عن شكل الحكاية كخطاب ملفوظ يترادف، وفي جوهرها يكون عبر الوصف والمستوى الدلالي، ولكون الرواية هي صيغة سردية مختلفة، وكل فصل يمثل ذاته، اذن هناك خطابات متعددة، برغم وجود خطاب اساس للسارد، وتلك الخطابات كما الفصول مترادفة، وتكون بصيغة الترادف، وهذا أيضا قد يكون داخل الفصول، في حالات الحوار التي تشتمله الرواية، ويشمل شخصية الرصافي، بالرغم من كونها بالأساس متخيلة من افق فوق الواقع العام.