ادب وفن

نبقى نبصره معنا وبيننا* / مفيد الجزائري

قبل سبعة شهور بالضبط، في 26 نيسان من هذه السنة، كفّ القلب الشجاع المتعب عن الخفقان.
كان الصراع المديد المرير الذي خاضه عنيدا مع العجز الكلوي المستعصي، قد استنزف قواه وهدّ حيله.
نعم، كان ثمة والقلبُ في المعمعان ما يخفف عنه كثيرا: فابو فارس لم يكن ممن يبالغون في الانشغال بأنفسهم وهمومهم، فيثقلون في النهاية على انفسهم، ويزيدون همومهم هموما.
كان على العكس، بطبيعته وبحكم تكوينه، منصرفا في الغالب عن شؤونه الخاصة الى شؤون الغير، الى شؤون الناس القريبين والبعيدين، وشجون البلد وقضايا العالم والحياة والمستقبل. وكان قد تربى وتعلم وتثقف، منذ فتوته المبكرة، على الاهتمام بما نسميه اليوم: الشأن العام. وفي خضم مسيرته الحياتية اللاحقة، الدراسية والثقافية والعملية – الاعلامية / السياسية، تعمق عنده هذا التوجهُ وتكرس.
وكانت حصيلة ذلك فقيدنا جلال الماشطة الذي عرفناه، مع ان كثيرين منا وربما معظمنا لم يعرفوه من كثب الا غداة انهيار النظام الدكتاتوري في 2003، عندما رجع الى الوطن .. ممنيا النفس بالمشاركة في بناء العراق الجديد، الذي ما اكثر ما كان يحلم به. ومنذ ذلك الحين حتى رحيله ربيع السنة الحالية، وضع نفسه وعقله وقلبه ومعرفته وخبرته وموهبته، في خدمة ذلك الهدف السامي.
لكنه وقد انغمر في ذلك تماما في الواقع، لم يكف لحظة عن متابعة حاله الصحية. وكيف له ان لا يفعل وهو يعيش بكلية وحيدة، وفوق ذلك متمردة سادرة في تمردها؟ كان يتابع بدقة وحرص شديدين كل صغيرة وكبيرة، ويفعل كل ما بوسعه لوقف اتساع الشرخ الذي كان يهدد عافيته وحياته. كان - بين امور اخرى - ينفذ بصرامة منقطعة النظير توصيات الاطباء وتعليماتهم، التي لم يكن اكثرها ليحتمل.
كانت معادلة قاسية، واجهها ابو فارس مدركا، قويا، متحملا، صبورا .. طاردا اليأس ومعمرا القلب بأمل لا يريد له ان يخبو.
ولا ريب في ان جهده الهرقلي هذا كان سيتكلل بالظفر .. لو لم يكن الامر، حقا وصدقا، استثنائيا في استعصائه.
كان جلال يخوض معركة ابعد ما تكون عن التكافؤ ..
ومع تعاقب الايام، وتزايد الوهن، وتضاؤل فسحة الامل، لم تعد الشجاعة وحدها كافية لابقاء القلب قويا نشيطا نابضا.
اخذ التعب منه مأخذه، فذوى وتداعى، حتى انطفأ ..
خسر ابو فارس المعركة .. فخسرناه ..
ايها الاحبة، ارحب بكم باسم الجمعية العراقية لدعم الثقافة، التي كان جلال احد مؤسسيها سنة2005، واشكركم على حضور هذه الجلسة، التي نريد بها ان نقول له، اننا نبقى نبصره معنا وبيننا.
اسمحوا لي الآن ان ادعو مدير جلستنا، الاستاذ عبد المنعم الأعسم، الى المنصة.
*القيت في مفتتح الجلسة