ادب وفن

بطاقات قصيرة للعام الجديد! 1/ مزهر بن مدلول

بستان اليهود ( جه م جى ).. الميناء الاثير !
ربما العنوان غير ملائم، لكنّ موانئ الانصار في الجبال تكاد تكون معدومة، لذلك تراهم يقتفون خطى الماضي كلما كان الى ذلك سبيلا.........
و(جمجو) كما نطلق عليها، واحدة من تلك الامكنة التي تمنحك شيئا من التأمل، وعلى الرغم من ان (الصفنة) في الوديان دائما ما تكون صارمة وتؤدي الى مزيد من التلاشي، الاّ انّ الاحساس اللاذع بالفراغ والسكون، يسحبك رغما عنك الى التذكر........
الجبل وحش بمئات المخالب!، ينهش الروح ويجعلها تتهافت قطعة قطعة، صمت متعدد ومتواطئ، صمت العزلة وصمت الغياب وصمت الصور............
هناك، لا مرآة ولا تسريحة شعر، ولا فانتا ولا ميرندا ولا جبار ابو الشربت!، هناك مسارات واقدار وحنين عميق يتسلل فيصيب المواضع الموجعة فينا!............
لا تقع (جمجو) بين النهر والبحر!، ولا تكتمل في سمائها دائرة القمر!، وليس لها وجود في خرائط الاطلس!، وانما قرية علامتها الفارقة انها تنام دائما بلا وسائد وكأنّ شيئا ما يركض خلفها!، فأمام كلّ باب (رشمال)، وفي رأس كل رجل فكرة غامضة عن موعد الرحيل، وجميع اهلها يعملون في التهريب..............
في الجهة التي تحاذي الشارع الترابي الذي يمر باطراف القرية، افتتح بعض الاهالي دكاكينا ومطاعما، ولا احد يعرف او يفكّر بالزبائن ولمن يبيعون بضاعتهم!، وكان الطريق يلزم الانصار بالمرور بها عندما يتنقلون بين سوران وبهدينان، وهو اقصر الطرق، اما عكسه فيكلفهم المزيد من الوقت والتعب.................
كانت رائحة (التكة والكباب) تتسلق السفح حتى تبلغ القمة وتهبط لتسير مع الساقية وتقف فوق (الكَنطرة) التي نعبر منها!، استفزاز عجيب لكل الاحاسيس واستنفار من الدرجة الاولى لكل المشاعر!.............
اشارة واحدة من آمر المفرزة بأنّ لديه ميزانية مخصصة للطريق، حتى نركض لنملأ الكراسي، شراهة فظيعة، ينطبق علينا المثل (مهروش وطاح بكروش)!، لكنها مرات قليلة، فامّا الافلاس، وامّا خطورة المكان، فالحكومة تعرف كيف تدس السم بالاكل والشراب كما فعلت بالعديد منّا!........