ادب وفن

الاضافة الى .. ما لا يصح دخوله على تفعيلات الأبوذية / ريسان الخزعلي

( 1 )
*.. استوقفني مقال الدكتور هاشم الفريجي الموسوم (ما لا يصح دخوله على تفعيلات الأبوذية) المنشور على هذه الصفحة العدد 88 في 21 كانون الأول 2016 لما فيه من قدرة تحليلية لعروض شعر الأبوذية، وأول ما استوقفني قوله الاستهلالي: يقول جميع من تصدى للأبوذية، ان البحر الذي تنظم عليه الأبوذية هو الوافر (ولو أني أرى غير ذلك)..، وكم كان بودي ان يكشف عما يراه حيث أتفق كلياً مع هذه الرؤية كما سيتضح لاحقاً.
( 2 )
*.. لم تكن الأبوية من بحر الوافر، ولا يوجد في الشعر الشعبي العراقي ما كتب على هذا البحر لسبب بسيط يكمن في طبيعة تركيب اللهجة العاميّة العراقية، حيث لا توجد مفردة تحتوي ثلاثة متحركات متتالية على الاطلاق كتلك التي في تفعيلة بحر الوافر (مفاعَلَتُن)..، كما لا يوجد ايضاً – تبعاً لذلك – شعر شعبي مكتوب على البحر الكامل الذي تعتمد تفعيلته على هذه المتحركات الثلاثة المتتالية في (مُتَفَاعلن).
إذن الأبوذية من بحر آخر، وليس من الوافر.
( 3 )
*.. تفعيلة الأبوذية الأساسية هي (مفاعيلن) وتحولاتها..، و (مفاعيلن) هذه أصيلة وليست متحولة من (مفاعَلَتُن) الى (مفاعيلن) كما ظن الدارسون في العروض الشعبية، ونظراً لوجود (فعولن) في ضرب بعض الأبوذية، جرى الاعتقاد ان الأبوذية من بحر الوافر، وهذا خطأ أصبح شائعاً، وقد فاتهم أن (فعولن) تساوي (مفاعي) عروضياً. وبذلك يكون الشكل العروضي الأساس للأبوذية هو: (مفاعيلن مفاعيلن مفاعي).. وهذه هي تفعيلات بحر الهزج وليس الوافر، ولا توجد ضرورة بان تكتب (فعولن) بدلاً من (مفاعي). وان الذي أعنيه بتحولات (مفاعلين) هو (مفاعيل، مفاعي، فاعيلن – حين يحذف المتحرك الاول من (مفاعيلن) كحالة قريبة من التشعيث أو مشابهة لها)، وتجيء كضرورة إيقاعية اضطرارية، والشعر إضطرار كما يقول الأخفش.
إذن الأبوذية من بحر الهزج وليس من الوافر، ولا يوجد تحول من (مفاعَلَتُن) الى (مفاعيلن) الا في الشعر الفصيح، ولو كُتبت قصيدة على بحر الهزج وجاءت فيها تفعيلة واحدة من الوافر (مفاعَلَتُن) لنُسبت القصيدة الى بحر الوافر وليس الهزج، لأن (مفاعيلن) لا تتحول الى (مفاعَلَتُن) وإنما العكس هو الصحيح. و (مفاعيلن) في الهزج أصلية وفي الوافر عارضة.
( 4 )
*.. يحصل الاشتباه لدى بعض الدارسين، بين الهزج والوافر المجزوء، نتيجة للشكل العروضي المتشابه تقريباً، ومن المفيد ان نذكر تفاصيل هذين البحرين:
أ – للوافر عروضان وثلاثة أضرب..، العروض الاولى تامة مقطوفة (مفاعل) وضربها تام مقطوف ايضاً (مفاعل).
العروض الثانية صحيحة (مفاعَلَتُن) أو (مفاعيلن) المتحولة من (مفاعَلَتُن) نتيجة العصب، ولها ضربان، الأول صحيح كالعروض (مفاعَلَتُن) والثاني معصوب (مفاعيلن) المتحولة من (مفاعَلَتُن).
ب – للهزج عروض واحدة صحيحة (مفاعيلن) وثلاثة أضرب:
الأول صحيح مثلها (مفاعيلن) والثاني (مفاعي) والثالث (مفاعيل). ويمكن ملاحظة المشتركات بين عروض وأضرب البحرين، الا ان الهزج ينفرد بعروض (مفاعيل)..، وان المشترك (مفاعي) في أضرب البحرين هو الايهام الشكلي في الاشتباه لدى بعض الدارسين والذي يوّلد التناظر بين البحرين. ومع الملاحظة ان (مفاعي) تساوي (مفاعلْ) عروضياً، وان (مفاعيلْ) تساوي (فعولان)، و(مفعولن) تساوي (فاعيلن)..، وبذلك يصح إعادة التشكيل العروضي للأشكال الأربعة من أوزان الأوذية التي توصل اليها الباحث كي يكون شكل التفاعيل متشكلاً من (مفاعيلن) وأجزائها لفضّ التداخل مع تفعيلات بحور اخرى من بينها الوافر، وعلى النحو الآتي:
1- مفاعيلن مفاعيلن مفاعي بدلاً من (مفاعيلن مفاعيلن فعولن).
2- مفاعيلن مفاعيلن مفاعيل بدلاً من (مفاعيلن مفاعيلن فعولان).
3- فاعيلن مفاعيلن مفاعي بدلاً من (مفعولن مفاعيلن فعولن).
4- فاعيلن مفاعيلن مفاعيل بدلاً من (مفعولن مفاعيلن فعولان).
وذلك أبعدنا ما يثير الاشتباه (فعولن، فعولان) عن الأشكال وأصبح الشكل العروضي هو شكل بحر الهزج مع ملاحظة ان كتابة القصيدة الشعبية على بحر الهزج تظهر فيها تفعيلة (فاعيلن) والتي تساوي (مستفعلْ) عروضياً، الا ان الدارسين لا يميلون الى كتابة (فاعيلن) وانما يفضلون (مستفعلْ) دون لماذا؟ وهو ما يثير اللبس ايضاً مع بحر آخر.
( 5 )
*.. الأبوذية كلون شعر شعبي عراقي رباعي، قديم، كتبه العراقيون على (السليقة) دون تمكن دراسي صفي أو غير صفي الا ما ندر، وما كان العروض من ممكناتهم أو اهتمامهم، كتبوه وتناقلوه شفاهياً وتساجلوا فيه كثيراً اعتماداً على تلك السليقة، وما كانت الآذان قد تمرنت كلياً على التلقي الموسيقي. وهكذا تحصل الاضافات والتنويعات العروضية دون دراية او قصدية، وانما كان التركيز يتم على وقع الجناس والخاتمة (يّة) وبذلك ظهرت الاشكال المتعددة منه، وحتى الذي جاء دقيقاً، فكان على السليقة وليس الدراية العروضية،.
*.. ان بحث الدكتور الفاضل هاشم الفريجي محاولة جادة تنم عن وعي عروضي كبير لغرض تطويع الاشكال بعد تشذيبها مما يشوبها واعادتها الى الاساس الموسيقي العروضي الخاص بهذا الشكل الشعري، ورغم توصله الى الاشكال الاربعة، الا ان متون بحثه توصلت الى أشكال اخرى. وبتفعيلات مغايرة.
إن هذا البحث يجب ان ينصت اليه من ينظم الأبوذية الآن كي يتجاوز الخروق العروضية وبعد ان أصبحت دراسة العروض ممكنة للجميع. ولا أظن ان جميع الشعراء الشعبيين لا يجيدون العروض، فهذا إطلاق وتعميم، لأن من بينهم من ألّف كتباً في العروض (مجيد القيسي، ربيع الشمري، شاكر التميمي، وآخرون) كأمثلة ليست للحصر، وبدرجات متفاوتة من الدقة.
( 6 )
*.. الباحث الفاضل، يدرك بأن التقطيع الشعري لا يتم على شكل الكتابة، وانما على طريقة اللفظ الصوتي، وان يكون هذا اللفظ حسب اللهجة عندما يتعلق الأمر بالشعر الشعبي، لا بطريقة لفظ الفصحى، كما حصل في تقطيع مفردة (الوداع) بالفصحى: إلْ وَ دَاع، الا ان هذه المفردة حين تقطع حسب صوت اللهجة تكون: إِلِوْ داع. وبذلك يكون وزن الأولى (فاعلات) في حين ان وزن الثانية (مفاعيل) وهي الأقرب الى الهزج. وتبعاً لطريقته في تحريك السواكن فقد جعل وزن (چانْ ضرهم)..، (فاعِ لاتن) في حين أن وزنها الأدق (فاعْ لاتن، ولهذا مبحث آخر، بعد اكتمال نشر البحث في الجريدة.
*.. اسجل شكري واعجابي لما قام به الدكتور هاشم الفريجي، فقد دفع فضولي الى هذه المداخلة البسيطة المتعجلة...