ادب وفن

الكمره وسواليف النهر : البدايات التي تشير الى الاستمرار / ريسان الخزعلي

يمته أرتاح..؟
يا وجه الگمر بالماي..
بالطين الشرب روحه وخدر بالناي..
نسمه الباب وجهي.. إلكل حزن مفتاح
...،
نجم حَسّ الرمل حالوب.. غص جدمه إبضواه وطاح
( 1 )
* غالباً ما تشير بدايات الشاعر الى طبيعة تشكيله الفني وحساسيته الشعرية، والنمط اللوني الذي كانه وما سيكون عليه، وهو المحاط بتجارب سابقة، سياقيّة مألوفة واخرى لامعة تكشف وتكتشف والشاعر المبدع /كامل الركابي/ في مجموعته الشعرية الاولى /الگمرة وسواليف النهر/ الصادرة عام 1975، أوجد إنشغاله الشعري ووجده في ومع التوصيف الثاني، سيما وإنه كان على تماس فكري وثقافي واجتماعي مع الشعراء الذين جاءوا بالكشف والاكتشاف بعد التجربة النوابية الكبيرة.
( 2 )
*.. تضم مجموعة /الگمرة وسواليف النهر/ قصائد مكتوبة بين عامي 96-1974، مما يعكس أن الشاعر قادم من نهاية الستينيات (بداية تشكله) الى السبعينيات – فترة التوهج الابداعي، بما في ذلك الشعر الشعبي العراقي الحديث، ومثل هذا التوهج، كان يحاول ان يمسك كلياً بالمحسوسات الحياتية التي تمنح الطمأنينة والاستمرار، فالنور في الاعالي /الگمرة وتدفق اسباب الحياة في الأرض/ النهر، وهكذا تكون دالة الشاعر ودلالته في التسمية /الگمرة وسواليف النهر/ قد استوحتا هذا التشابك الأزلي بين الأعالي وما دون الأعالي، ليصحو على المزيد من الاسئلة (يمته أرتاح..؟ يا وجه الگمر بالماي).
ورده ..
ولا في عثر بيها ودفو خيّال
مرّه ،
ولا شط نزف گلبه عليها إو سال
لو متت ..
وحشة رمل وسيف العطش چتال
كل ضلع بيّه يگف.. من غربتي تمثال
شمعه .. او نكرهه الضوه..،
او دَش للصريفه إتراب
وأمي بچتني غفل.. او ريح العبت بالباب
گالتلي بسك تظل سهران للغياب
بسك قميصك ركد وامنين نشري إثياب..؟
* إنها الأسئلة الاولى، الاسئلة التي توقظ الوعي بعد ان كان الوعي قد هزّ الجذور لتسأل هي الأخرى عن الغصن والوردة، في إحالة صوريّة رمزية حياتية (عمري ليل.. إو صلّت الظلمه إعله بابه، او رتّلت للصبح آيه.. وشوگي طير)..، والشاعر هنا لا يخفي انحيازه الطبقي في اكثر من صيحة:
لچن حيره .. إهواي حيره
أغفه.. يندهني خيالك
أبچي .. يسكتني خيالك
أبحر .. إيردني خيالك
گلي يا معبود من أتطشر إيلمني خيالك..؟
( 3 )
*.. قصائد المجموعة لا تستقيم في خط بياني واحد (وهذا يحصل عند الكثير من الشعراء) وانما تتعدد الخطوط (وهنا أتحدث عن مجموعة صدرت قبل أربعين عاماً)..، فمن البناء البسيط المتداول الى البناء المقطعي والآخر الاسترسالي، من البساطة والوضوح الى التجريد الصادم، من الصورة المحسوسة الى الضبابية، ومثل هذا التراجع يجيء طبيعياً، فالشاعر في بداية التجربة، هذه التجربة التي جاءت بتدرج فني وصولاً الى مجموعتيه اللاحقتين (سوّيرات الدم والنار وفوانيس)..، حيث قادت البداية الى الاستمرار ومن ثم الى اللون الخاص الذي استقر عليه في قصائده الجديدة بعد عام 2003. ورغم هذا التراوح البياني الا ان الشاعر له ما يميزه، حيث الخصوصية التي لا تلفها رياح الآخرين، عدا قصيدة /ملامح زهرة المطر/..،وهي قصيدة تشع في قلب المجموعة، ففي هذه القصيدة تكون ملامح طريقة الشاعر الكبير شاكر السماوي في الكتابة واضحة، والشاعر لا يخفي ذلك، حيث إستعار شطرة شعرية من شعر الشاعر تكررت مرتين (وأصحه.. وأغفه.. او عيني تغرگ بالتحلمه).
يقول الشاعر الركابي في مقدمة القصيدة: ليس هناك من يستطيع ان يرسم صورة الطير على ذاكرة الريح في المطر والزمن الدخاني.. وقد فعلت.
وحشه تمشي إعله الگلب شط إو سفينه
وليل يسبحها أصابع شجره خرسه
خضّرت بيها الرطوبه..
إشراع ..
يحفر بالرمل ريح المدينه
البيها حتى إمحنطه إبشباچها الغرفه سجينه
(وأصحه.. وأغفه.. او عيني تغرگ بالتحلمه)
إخيول فضيّه تفك گلبي..
او تفوت إبلا جواز او لا هويه
اطيور ترفه إتمر على القيثار غنوه
إترتل إحروف القضيه
والقصيدة مكتوبة في مناخ الذكرى 39 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي المجيد، وهكذا جاءت مكتظة بمحولاتها الفكرية والنضالية:
ضم يگلبي أسرار سيفك
واذبح الخطوه المريضه
او شوف يا چف بي اصابع 39
صُب نهرك أبغيضه
إسبح ابلون النجم واشرب وميضه
وتصطف مع هذه القصيدة قصيدة /ينابيع الضوه/ لتؤشر هي الأخرى قدرة الشاعر على العبور في البدايات القلقة فنياً الى التماسك الذي يعي الشعر فكرة وضرورة كي نضمن الاستمرار، الاستمرار الذي حصل فعلاً وتأصل بفعل البدايات التي أشارت الآن الى الوضوح والحضور.