ادب وفن

ما لا يصح دخوله على تفعيلات الإبوذية ( القسم الثاني والاخير) / د. هاشم الفريجي

وهنا تلاحظ سكون الحرف الأخير وما قبله في كل من: (عِيْسْ،اعليْكْ،الروْ حْ،موْشْ،گامْ) وكلها جائزة في تفعيلات هذا البحر. وهذه السكنات تظهر جلية في الغناء إذ لا يقف المطربون إلا عليها أثناءه. والعرب لا يبدأون بساكن ولا يقفون على متحرك. وفي هذا البيت للشاعر الملا عودة الحمدي نلاحظ:
إشْهَل غَيْظَه يَنَاهِي مِنْكَرَاهَا
إبْزعَل لُو تِصِد عَنًّي مِنْكَرَاهَـا
إجْفُوْن الْعَيْن عَيَّت مِنْكَرَاهَا
إوْ حَياتَك مَا تِضُوْگ النَّوْم هِيَّه
التفعيلة الأولى في الشطر الأول أتت على مفعولاتن
التفعيلة الأولى في الشطر الثاني أتت على فَاعِلاتُنْ
التفعيلة الأولى في الشطر الثالث أتت على مفعولاتن
التفعيلة الأولى في الشطر الرابع أتت على فَاعِلاتُنْ
ولكي يستقيم الوزن يجب أنْ يكون البيت هكذا بغض النظر عن المعنى:
شِهَل غَيْظَه يَنَاهِي مِنْكَراهَا
زَعَل لُو تِصِد عَنِّي مِنْكَراهَـا
جِفُوْن الْعيْن عَيَّت مِنْكَراهَا
حَيَاتَك مَا تِضُوگ النَّوْم هِيَّه
والحقيقة أنَّ المشكلة ليست في الكلمة الأولى بل في ما يليها من كلمات. فلو اعتبرنا أنَّ التفعيلة الأولى جاءت (مخرومة): (إشْ هَل غَيْ) لكن التي بعدها ستكون: إش هَل غَيْ - ظَه يَ نَا هِيْ - مِن كَ رَا هَا فينتقل الخلل إلى التفعيلة الثانية فتصبح (ظَه يَ نَا هِيْ) بوزن فَاعِلاتُنْ بدل مَفَاْعِيْلُنْ وهذا لا يجوز. وللتحقق من ذلك يمكن أنْ يكون الشطر الأول موزونا: (بغض النظر عن المعنى) أي للتوضيح: إشْهَل (غَيْ) يَناهي مِنكَراها أي بحذف حرفين من (غَيْبَهْ). ولو قلنا: إشْهَل غَيْظَ نَاهِي مِنْكَرَاهَا لاستقام الوزن. ولاحظ أيضا تم حذف الحرف الأول من يناهي؛ بشرط لفظ هاء (غيظه) مخففا كأنك تقول (غَيْظَ). وهذا التحليل العروضي ينطبق أيضا على الكلمة الأولى من الشطر الثالث: اجْفُوْن الْعيْنْ، وما يليها. ولكن الخلل العروضي في التفعيلتين في بداية الشطر الثاني والرابع، هو بسبب الكلمة الأولى حيث لا يمكن إصلاحهما إلا بحذف السبب الخفيف في بداية كل منهما. والغاية من كل هذا الشرح وضرب الأمثلة هو أنْ نعرف ما يلي: إنَّ زيادة حرف او حرفين سوف يخل بوزن الإبوذية او ربما ينقلها إلى بحر ثان. فمثلا بيت الشيخ حسن الاعذاري الحلي:
طِحِت مَا بِيْن حَبْلِ الْعَاتِ وَلْمَات
وَلا صَارَت إلْي إويَ الْوَكِت وَلْمَات
الْيِتِم مَاهُو ابْفَگْدِ الْرَاح وَلْمَات
الأدَب وِالْعِلِم لَو مَاتَوْا سِوِيَّه
وهو مجاراة لقول الامام علي بن أبي طالب عليه السلام:
لَيْسَ الْيَتِيْمُ الذي قد مَاتَ وَالدُهُ
إنَّ الْيَتِيْمَ يَتِيمُ العلمِ والأدَبِ
فجاء شطره الثالث على بحر الرمل (وقريبا من الهات) لأنَّ التفعيلة الأولى تبدأ (بفَاعِلاتُنْ) بسبب زيادة (سبب خفيف) في أولها وهو ألف ولام التعريف. وهو كثير في الإبوذية، وفي ما يلي تقطيع الشطر الأول و تفعيلاته :
تقطيعه : إلْ يِتِمْ مَاْ - هُوْ بِفَگْ دِلْ - رَا حِوِلْ مَاتْ
تفعيلاته : فَا عِلا تُنْ - فَـا عِلا تُنْ - فَا عِـلا تـانْ
أمَّا الشطر الأخير فكذلك كانت تفعيلته الأولى والاخيرة على فَاعِلاتُنْ:
التقطيع الشطر الأخير: إلْ أدَبْ وِلْ - عِلِمْ لُو ْمَا - تَوْ سِوِيْ يَهْ
التفعيلات: فَا عِلا تُنْ - مَفَاْ عِيْ لُنْ - فَا عِلاْ تُنْ
ولا ينظم الرمل على هذا الوزن في العامي بل على:
فَاعِلاتُنْ - فَاعِلاتُنْ - فاعِلُن
أو على فَاعِلاتُنْ - فَاعِلاتُنْ - فاعِلان
وعندها يسمى الهات إذا كان مجنسا.
ومن الأبيات الموزونة قول الشاعرالحاج زاير:
يَنَارِي حَيْل إضُرْمِي وِشْعَليْنا
مِن حَچْيِّ الْعَوَاذِل وِشْعَليْنا
عَسَى الْحوبَه وَرَى الْلِي وَشْـعَليْنا
فُرَگ رُوْحَيْنَّا الْچَانَن سِوِيَّه
وتقطيعه عروضيا كما يلي:
الشطر الأول : ي نَا رِيْ حَيْ - لِضُرْ مِيْ وَشْ - ع لِي نَاْ
الشطر الثاني : مِن حَـچْ يِلْ - عَوَاْ ذِلْ وِشْ - ع لِي نَاْ
الشطر الثالث : عَ سَلْ حُوْ بَهْ - وَرَلْ لِيْ وَشْ - عَ لِيْ نَاْ
الرباط : فُ رَگْ رُوْ حَيْ - نْنَلْ چَاْ نَنْ - سِوِيْ يَهْ
وجاءت كل الأشطر على : مَفَاْعِيْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ فَعُوْلُنْ عدا التفعيلة الأولى في الشطر الثاني فقد جاءت مخرومة مَفْعُوْلُنْ، أي ليس في بدايتها حرف متحرك قبل المتحرك الثاني من نفس التفعيلة؛ على غرار التفعيلات في الشطر الأول والثالث والرابع؛ وهذا الزحاف جائز. كما أنَّ جميع التفعيلات الوسطى لجميع
الأشطر جاءت تامة ولا يجوز أنْ تكون غير ذلك أي إنها كلها غير مخرمة. وقد جاء الحرف الأول في التفعيلة الثانية للشطر الأول ساكنا وهو اللام الذي يمثل ثالث حرف في كلمة حيَلْ؛ وتلاحظ انك تضطر إلى كسرها فتقول يَ نَا رِي حَيْ - لِ ضُر مِي وَشْ - عَ لِي نَا وبذلك تتجنب الوقوف المخل بالوزن، أي لو بقي اللام ساكنا لاضطررنا إلى القول:
يَ نَا رِي حَيْلْ - إضُر مِي وَشْ - عَ لِي نَا
مما يؤدي إلى انتقال التفعيلة الأولى إلى مَفَاْعِيْلانْ. وهذا الذي تحدثنا عنه سابقا من ضرورة تحريك الساكن في بعض الأحيان؛ بينما لا تحتاج إلى تحريك النون الساكنة في (ن نَل چَا نَنْ) رغم تشابه الحالتين، لاحظ:
فُ رَگ رُو حَيْ - نْ نَل چا نَنْ - سِ وِي يَهْ
وبالعودة إلى بيتنا السابق بدون تعديل:
يَحَادي الْعِيْس بالله اعْليْك مُرهَـانْ
إوْ گِللْهُم تَرانِي ابْسِجِن مُرهَانْ
إنْچَان الْزَّاد عِدْهُم حِلُو مُرهَان
حِلُو لُو نِنْجِمِع كِنَّا سِوِيَّه
فإذا أجرينا عليه بعض التغييرات انتقل إلى وزن آخر:
يَا خُوْي بَالْله إعْليْك مُرهَـان
گِلْهُم تَرَانِي ابْسِجِن مُرهَان
والزَّاد عِدْهُم حِلُو مُرهَان
يِصْبِح حِلُو ابْلمَّه سِوِيَّه
وهنا أصبح لدينا بيت من (النعي), (مُسْتَفْعِلُن مُسْتَفْعِلاتَانْ) وليس إبوذية، وذلك بسبب حذف بعض من حروفه. گِلْ هُم تَرَاْ - نِب سِج نِمُر هَانْ مُس تَف عِلُنْ - مُس تَف عِلا تَانْ ولو قلنا:
يَا خُوْي بَالله إعْليْك مُرهَانَه
وِالزَّاد عِدْهُم حِلُو مُرهَانه
لاصبح من بحر السريع؛
يَا خُـو يَبَـلْ - لَع لِي كِمُـرْ - هَا نَهْ
مُس تَـف عِلُنْ - مُس تَف عِلُنْ - فَع لُنْ
وهذه الأمثلة توضح قرب الأوزان من بعضها وحاجة الشاعر إلى فهم هذه الأمور ليتجنب الوقوع في الخطأ دون علم منه. وفي البيت التالي أتت التفعيلة الأولى للشطرين الأول والرابع على (فَاعِلاتُنْ) فتغير بحرهما إلى الرمل التام بدلا من الوافر. ولا ينظم على هذا البحر التام في الشعبي بل تأتي تفعيلته الأخيرة مقطوفة (فاعلن) كما في (الهات) الذي مر ذكره، وفي الشطرين الثاني والثالث أتت التفعيلة الأولى على (مَفْعُوْلُنْ) والأخريات على مَفَاْعِيْلُنْ.
إبْنِسَاة ْأمِّي إوْ مُضَى ابْچَبْدِي لَهِـن طَـر
إبْرَاسِي وِخْتِلَف رَايِي لَهِن طَر
إبْزَي الْبِيْض مِتْجَدِّد لَهِن طَر
إبْحَرُب شَدَّن بِيَارِغْهِن عَلَيَّه
تقطيع الشطر الأول : إب نِسَا تُـمْ - مِوْ مُضَبْ چَبْ - دِي لَهِنْ طَرْ
تقطيع الشطر الثاني : إبْ حَرُبْ شَدْ - دَنْ بِيَـاْ رِغْ - هِنْ عَلَيْ يَهْ
التفعيلات : فَـا عِلا تُـنْ - فَـا عِلا تُـنْ - فَـا عِلا تُـنْ
ولو جاز أنْ يبدأ الشاعر أشطر بيته بدون حرف الألف لاستقام وزن البيت إلا أنَّ ذلك غير ممكن لأننا عندها يجب أنَّ نختار بين حالتين: أمَّا أنْ ننطق الكلمات كما في الفصيح: (بِنِسَاةِ) و(بِرَاسِيْ) وذلك بتحريك حرف الباء فيها كلها. او أنْ نقوم بإسكانها جميعا : (بْنِسَاةِ) و (بْرَاسِيْ) وهو ما لا يمكن نطقه لأننا سنبدأ كلامنا بحرف ساكن. ولذلك اضْطُر الشعراء إلى الإتيان بالف (همزة مكسورة) في بدايات الأشطر المشابهة لهذا البيت للتخلص من صعوبة لفظ الساكن في البداية رغم أنَّ ذلك يؤدي إلى زيادة (سبب خفيف) وهو (ابْ) على الشطر وينقله إلى تفعيلة أخرى. وفي العروض تنتقل بحور الشعر او تتولد من بعضها في الدوائر العروضية بإضافة او حذف سبب او وتد من بداية التفعيلة الأولى في البحور.وإذا كانت الإبوذية تنظم على بحر الوافر او على بحر الهزج كما سأبين لاحقا، فإنَّ دخول السبب الخفيف (ابْ) على تفعيلته الأولى ينقله إلى بحر الرمل وهو ما يحدث عادة في دائرة المجتلب التي تظم بحور الهزج والرجز والرمل.
وكمثال على إمكان تحول الإبوذية إلى رمل (هات) حين تأتي تفعيلته الأولى على وزن فَاعِلاتُنْ بسبب زيادة سبب خفيف في بدايتها، نطالع هذا البيت وكيف يمكن تحويله إلى هات بتغيير بسيط على تفعلتيه الأولى والأخيرة: يقول الشاعر حسن العلي النعماني الهَظُم مَا خَلَّف ابْگَلْبِي سِوَى أن وَنَه إوْ يَعْگُوْب بِالْبَلْوَه سَوَى أن زَمَانِي مَشْتِكِي مِنَّه سِوَى أن أشْكِي دَوْم مِن أهْلِ ألأذِيَّه وجناسه الأول (سِوَى أنْ) سوى الأنين، وفي الشطر الثاني جاء جناسه (سِوَى أنْ) سَوَاءً أي متساويان،أمَّا جناسه الثالث (سِوَى أنْ) فهو سِوَى أنْ الفصيحة. وهو مدور مع الشطر الذي يليه أي سوى أنْ أشكي من أهل الأذية.
وجاء شطر البيت الأول على بحر الرمل (الموشح) او الهات، وذلك لمجيء تفعيلته الأولى على وزن (فَاعِلاتُنْ) بسبب زيادة حرفي ألف ولام التعريف في كلمة (الهظم). ولو أضفنا حرفين في بداية كل من الأشطر الباقية لحصلنا على بيت هات بعد تغيير بسيط في الجناس ليلائم الهات فيصبح (سِوَنْ) أي بتحويله من فَعُوْلُنْ إلى فَعَلْ، وكما يلي:
الْهَظُم مَا خَلَّف ابْگَلْبِي سِوَن
هَا- وَنَه إوْ يَعْگُوْب بِالْبَلْوَه سِوَن
لا- زَمَانِي مَشْتِكِي مِنَّه سِوَن
آنا- أشْكِي دَوْم مِن أهْلِ ألأذَات
هَات يَا گلْبِي عَلَى الْزِّيْنَات هَات
وتقطيع الشطر الأول: الْ هَظُمْ مَاْ - خَلْ لَفِبْ كَلْ - بِيْ سِوَنْ
و تفعيلاته : فَاْ عِلاْ تُنْ - فاْ عِلاْ تُـنْ - فاْ عِلُنْ
كانت هذه بعض الأمثلة على زيادات دخلت فأخلت بأبيات الأبوذية الجميلة.