ادب وفن

رحيل المفكر والكاتب الفلسطيني د. فوزي الأسمر / شاكر فريد حسن

غادر عالمنا المفكر والكاتب الفلسطيني الكبير والمخضرم د. فوزي الأسمر، وذلك في مكان إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد حياة واسعة حافلة وزاخرة بالعطاء والنضال الوطني والنشاط الإعلامي والثقافي والسياسي والفكري والإبداع الشعري والأدبي.
يعد الراحل من الشخصيات الوطنية والسياسية الفلسطينية، التي لعبت دوراً هاماً وبارزاً في الحياة الثقافية والصحفية والكفاحية الفلسطينية بعد النكبة، والدفاع عن القضية والحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية والأنشطة والفعاليات والمؤتمرات المتعددة، حيث قضى حياته فاعلاً في المشهد الإعلامي والثقافي والسياسي والإبداعي الفلسطيني في الوطن والشتات والمهجر ، وظلت فلسطين بوصلته التي حملها وجعاً وألماً واغتراباً ونضالاً وكتابة. ولد فوزي الأسمر عام 1937 في مدينة اللد، أنهى دراسته الثانوية في الكلية الارثوذكسية الوطنية، أحب الأدب والسياسة، وشغف بالقراءة والكتابة وبدأ حياته شاعراً، ونشر تجاربه الشعرية وقصائده الأولى في صحيفة "الاتحاد" العريقة ، ومجلة "الجديد"، وفي مجلة "الفجر" التي عمل محرراً فيها إلى جانب الشاعر الفلسطيني الراحل راشد حسين. صدر له في مجال الشعر ديوانان هما: "أرض الميعاد" الصادر عن دار الجليل في عكا عام 1969، و"دامونيات" الصادر عن مطبعة الحكيم في الناصرة عام 1971. تميزت أشعاره بقوة العبارة ، وسلاسة الكلمة ، وحدة الخيال ، وبنبرة قومية وثورية وروح كفاحية ، جاءت تعبيراً عن جراحات الوطن وعذابات الشعب وأحلام الفلسطينيين بالعودة والتحرير والاستقلال . اقترن الراحل فوزي الأسمر بجماعة وحركة "الأرض "، ونتيجة لمواقفه الوطنية والقومية ونشاطه السياسي والثقافي ودوره في التعبئة والتوعية ونشر الوعي القومي من خلال دار النشر التي أسسها، عانى المضايقات والملاحقات السلطوية وزج به في أروقة وغياهب السجن ، الذي لم ينل من عزيمته. وفي منتصف الستينيات اتجه الراحل نحو الأعمال الحرة فاشتغل محاسباً في احد الشركات، وفي عام 1967 عاد للعمل الصحفي رئيساً لتحرير مجلة "هذا العالم " التي نشر فيها كتاباته الشعرية ومقالاته السياسية. بعد هزيمة حزيران 1967 ترك فوزي البلاد متوجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وهناك واصل دراسته العليا بموضوعي التاريخ والعلوم السياسية ونال شهادة الدكتوراه، واستقر في ولاية "نورت كادينا"، وفي العام 1981 حصل على الجنسية الأمريكية. نشط فوزي في الكثير من المؤسسات الثقافية العربية في الخارج، واشتغل عضواً في المؤتمر القومي العربي. وترأس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" الدولية، ومكتب وكالة الإمارات في واشنطن، اضافة الى نشاطه السياسي والفكري والثقافي والأكاديمي، ومراسلة العديد من الصحف والمجلات العربية في الخليج. في تشرين أول من العام الماضي قام فوزي الأسمر بزيارة مسقط رأسه ومرتع صباه والتقى الأهل والخلان في اللد والرملة والأحبة في الوطن ، وتجول في ربوع البلاد الجميلة ، التي لم تغب لحظة عن عينيه ، وكانت هذه الزيارة زيارة وداع لفوزي الفلسطيني المهاجر والمغترب . اهتم الراحل فوزي الأسمر بالقضايا القومية والفكرية والسياسية، وكرس حياته وقلمه لهذه القضايا والذود عنها، وركز جل جهوده ونشاطاته في مجال الكتابة والمشاركة في الندوات والمحاضرات والمؤتمرات العالمية، وامتاز بوضوح الرؤية السياسية الواقعية، وصلابة المواقف القومية والوطنية والعروبية، ودفاعه المبدئي عن القضايا والهموم العربية، وفي مقدمتها قضية شعبه الفلسطيني العادلة.
ألف عدداً من الكتب وهي: ماذا يعني أن تكون عربياً إسرائيليا، وسياسة مصادرة الأراضي والاستيطان في إسرائيل، أوضاع الأسر العربية في إسرائيل، الصورة النمطية للعرب في أدب الأطفال. فوزي الأسمر ناشط سياسي وإعلامي، ومثقف بارز، ومناضل عريق، امتلك شجاعة سياسية نادرة، خاض معارك قلمية وسياسية وفكرية وحوارية حول اجندة ومحاور ومسائل فلسطينية وعربية، وشكلت أفكاره وأراءه كشافاً مضيئاً لقراء مقالاته ومداخلاته في الصحف والمجلات العربية والفلسطينية والمواقع الالكترونية، وستظل أفكاره وطروحاته السياسية تضيء مسيرة أجيال قادمة.
برحيل د. فوزي الأسمر تفقد الحركة الفلسطينية والحياة الثقافية والفكرية الفلسطينية والعربية المعاصرة، مناضلاً ومفكراً وكاتباً وناشطاً وسياسياً المعياً له حضوره البارز، قدم الكثير للقضية الفلسطينية ولشعبه التواق للحرية والفرح والاستقلال والغد المشرق. ويكفيه فخراً انه من جيل ثقافي فلسطيني طليعي ونخبوي أرضعنا من ثدي الفكر والشعر والإبداع والالتزام الإباء والصمود والكرامة ما يكفي لنورثه لأجيال الحاضر والمستقبل.
وداعاً د. فوزي الأسمر، وستظل من الخالدين في ذاكرة الوطن والشعب، ونأمل ان تقوم المؤسسات الصحفية والإعلامية والثقافية الفلسطينية والعربية التي نشط فيها، بتوثيق تراثه ودراسته وتخليده بما يليق به وبمسيرته الغنية.