ادب وفن

فلاح هاشم يغرد في المقهى الثقافي العراقي

لندن- خاص
هكذا قيض لموهبة أو مواهب فلاح هاشم أن تقوده إلى الحرث في حقول ابداعية عديدة.. فهو المسرحي ممثلا ومخرجا وكاتبا دراميا، وهو خريج معهد الفنون الجميلة – فرع التمثيل والإخراج.. أذن هذا حقل الاختصاص ومن الطبيعي له ان يخوض غماره، والمعروف أن المسرح قد كتب فيه شعراء كبار مثل شكسبير وبوشكين وبريشت ولوركا وشوقي وغيرهم.. فلا غرو ان يبدأ طالب المسرح الفتي فلاح بكتابة الشعر..
حيث قد جرب حظه فيه منذ مرحلة الدراسة المتوسطة في البصرة، وبعد سنوات وفي بغداد وهو طالب في معهد الفنون الجميلة يستجمع قواه ويطرق مكتب جبرا إبراهيم جبرا، في سؤال اقتحامي: هل من رأي في قصيدة كتبها. وّعده جبرا بقراءتها والحكم عليها وضرب له موعدا بعد فترة. . وحين عاد إليه فلاح مستفسرا، كانت اجابة جبرا، وهو المحرر الثقافي للمجلة الرصينة "العاملون في النفط"، انه أعطاه العدد الصادر توا من المجلة وقد نشرت فيه قصيدة فلاح هاشم، انها شهادة أثلجت صدر الشاب المتوجس، ووضعته على طريق الشعر.. وبعد تخرجه من معهد الفنون أخرج ومثل مسرحيات في الفرق المسرحية منها "امتحان الموديل" و"مهنة جذابة" وغيرها.
وعمل في الإذاعة ممثلا ومخرجا ومقدم برامج وكتب للتلفزيون دراميات كثيرة منها "عز الدين القسام" و"الكندي" و"ابن الهيثم" و"ابن خلدون " التي فازت كأحسن أعمال درامية ثقافية للعام 1976 وكتب كذلك "بائعة البنفسج" و"أحلام سجين" و"نماذج من المقهى" وغيرها. وفي أواخر السبعينات اضطرته ظروف القمع والملاحقات إلى ان يهاجر من الوطن الى الكويت، وهناك يواصل نشاطه الفني ويدخل الى حقل جديد، كان فيه من أوائل المتصدين له، وهو تصويت مسلسلات أفلام الرسوم المتحركة باللغة العربية "الدبلجة" وكان يعد نصوصها ويمثل فيها أدوارا رئيسة باتت معروفة واستمر في عمل الدبلجة سنوات عديدة حتى اصبح رئيس قسم الدوبلاج في مؤسسة الانتاج البرامجي المشترك ولا يزال فلاح هاشم نشطا فنيا وشعريا حتى اليوم وقد تابعت نتاجه أجيال الفتيان العرب فهم يعرفونه ممثلا لشخصية عدنان في مسلسل " عدنان ولينا " و كمال في مسلسل" الرجل الحديدي" و فارس في" الحوت الابيض" وفاوست و جان فالجان في " حكايات عالمية " ومئات الشخصيات الكارتونية التي دبلجها بصوته حتى زاد عدد الحلقات التي شارك فيها تمثيلا واخراجا على الألف حلقة وكتب أغلب أغانيها التي رددها ولا يزال يرددها ملايين الاطفال العرب. وإثر اجتياح الكويت هاجر فلاح مجددا الى لندن، ولا يزال فيها، حيث مثل جميع الشخصيات في مسرحية "كلكامش" في مسرح المنفى مستخدما الماسكات وقد أهلته خبرته في تمثيل الكركترات المتنوعة على ان يبدع في التمييز بين شخصية واخرى فهو كلكامش وانكيدو والكاهن في آن و الراي ايضا.
وقد نشط فلاح هاشم في إدارة الامسيات الثقافية ضمن نشاطات تقيمها الجالية العراقية، كما أسس إذاعة عربية باسم "بيت العائلة" لتستحوذ على اهتمام الجالية العربية في لندن وفلاح لولبها المحرك فهو المذيع ومقدم البرامج والمخرج والمحاور المتمكن لضيوف من مختلف الاختصاصات والجنسيات. . لكنه لم ينس عشقه الدراما والتمثيل حيث شد الرحال إلى الشام ليشارك في عدة مسلسلات تلفزيونية منها "رسالة من رجل ميت" و"رجال وقضية" و" آخر الملوك". . وكلها من اخراج الفنان حسن حسني رفيق رحلته الابداعية. ولم يكتف بهذا انما يلبي دعوة المخرج السينمائي جعفر مراد ليمثل شخصية رئيسة في فيلمه الروائي الطويل الجاهز للعرض الآن وعنوانه "- فطور إنكليزي".
فنان بكل هذا التنوع كان طبيعي أن يكرس له المقهى الثقافي العراقي في لندن أولى أماسيه للعام٢٠١٧.. و قد اضطلعت بتقديم الندوة وادارتها الإعلامية المتميزة فريال حسين التي بدأت حديثها قائلة :"اعتزازي بفلاح هاشم جعلني لا أتردد في الاستجابة لتقديم هذه الأمسية فقد عرفته وزاملته منذ أكثر من ثلاثة عقود وقبل رحلته خارج الوطن.. ان اقرب محطات الأبداع المتنوعة لفلاح هي الشعر، رغم انه عرف كاتبا وممثلا ومخرجا في المسرح والتلفزيون والاذاعة، وسوف لن أخوض في متى ولد وما هي سيرته الذاتية، فولادة المبدع وبحر حياته انما هو انتاجه، وما تخلل هذا الإنتاج من رؤى وأفكار ولواعج وهموم واهتمامات. . خير ما نفتتح به أمسيتنا هذه فلاح الشاعر، وسيتلو علينا بـ " مزاج " وبـ " ملامسة " وبـ " مقارنة " وبـ "تذكير".. طبعا هذه عناوين قصائد.
قرأ فلاح نصا بعنوان "أحزان الرجل السعيد":
لديه ما يكفي ليكون ســعـيـداً
سـعـى ووعـى
فـمـنـحـتـه الـحـيـاة أكـثـر مـمـا يـحـتـاج
يـكـفـيـه أن يـسـتـقـبـل صـباحاً جـديـداً
لـيـتـابـع نـشــوتـه.. ثـمـلاً بـمـوســيـقى الـوجـود
وقـد عـرف مـن هـو
وبـأي مـقـام يـتـصـل...
الـرجـل الـســعـيـد مـثـلـمـا يـجـب
الـســعـيـد أكـثـر مـما يـجـب
يـطـالـع نـشــرة الأخبار
فـيـنـسـى كـونـه رجـلاً ســعـيـداً
ويـبـكـي.
وواصل فلاح قراءة نصوص أخرى.. استقبلها الجمهور بحرارة. . وقال إنه بدأ شاعرا كلاسيكيا عمودياً متشدداً في سلامة العروض دون النزول حتى عند مجازاته و كان ذلك بمثابة تحد ذاتي.. ثم انتقل الى قصائد التفعيلة.. بعد ان ابتدأ الشعر وذكر انها كانت تحد، في وقتها. ثم عمد في السنوات الاخيرة الى كتابة ما يسمى خطأ بقصيد ة النثر و يرى في التسمية خطأ. . و الخطأ متصل بتسمية قصيدة التفعيلة بالشعر الحر. . والحقيقة ان شعر التفعيلة ليس حراً. . انما الشعر الحر هو ما يسمى اليوم بقصيدة النثر. . ويرى أن اسهل القصائد كتابة هي القصيدة العمودية تليها قصيدة التفعيلة حيث تسعف الشاعر الموسيقى الخارجية وتطرب المستمع بينما أصعب الشعر هو القصيدة الحرة "ما يسمى بقصيدة النثر" لأنها تجرد الشاعر من أي أدوات اسناد.
ثم تحدث فلاح هاشم عن عمله في دوبلاج مسلسلات الكارتون في الكويت بعد خبرة طويلة في العمل الدرامي- الإذاعي في بغداد وتقديم البرامج الثقافية والمنوعة، وعن ادخاله الأغنية في العمل الدرامي على طريقة بريشت :" فهي ليست اضافية ولكنها تدخل في جسد العمل، وحتى في المسرح، مثل مسرحية "الجمجمة" لناظم حكمت، حيث ادخلت 16 أغنية فيها، فهي تعلق على حدث، تختزل زمنا، تعمق فكرة، أي الأغنية و لها دور أساسي في البناء الدرامي. وكذلك حولت مسرحيات نثرية الى اوبريتات. . اي مسرحيات شعرية ".
وعرضت في الأمسية مشاهد من ثلاث مسلسلات تلفزيونية مثل فيها فلاح هاشم ادوارا رئيسة وهي :"رجال وقضية" و"رسائل من رجل ميت" و "آخر الملوك". قال عنها انه لا يستطيع العمل مع مخرج لا يعرفه وهذه الأعمال جميعها من اخراج صديقه حسن حسني الذي زامله في معهد الفنون وعمل معه بعد التخرج في عدة اعمال تلفزيونية ومنها "بائعة البنفسج " من كتابة فلاح و بطولته واخرج له عملا تلفزيونيا عن قصة لغسان كنفاني كانت من بطولته مع الراحلة الفنانة زينب عنوانه "وصية أم سعد" وقد شارك العمل في مهرجان فلسطين الدولي الثاني وحصل فلاح هاشم على تكريم فيه كممثل. كما نال نصه عن عمل "عز الدين القسام" جائزة أحسن عمل درامي.
وتوقفت الأمسية أيضا مع آخر عمل سينمائي لفلاح هاشم، وكان في فيلم من انتاج بريطاني عنوانه:" انكلش بريكفاست – فطور انكليزي" وقبل ان تعرض على الشاشة مشاهد من الفيلم دعت الاعلامية فريال حسين مديرة الأمسية المخرج السينمائي جعفر مراد الذي أخرج الفيلم ليقدم شهادته عن فلاح هاشم وتجربته معه.
ومما قاله مراد :"كنت محتاجا الى ممثل قدير ويقف أمام الكاميرا بكاريزما وبصوت قوي، لأن الدور صعب يمر بمجموعة مراحل عمرية وسايكولوجية. وبعد أن قرأ الأستاذ فلاح الدور اعجب به.. واثناء التصوير أعجبت بفلاح لأنه مثل تمثيلا قويا.. كان يسمع كل الملاحظات بدون جدل الا في ما يتعلق بالشخصية التي جسدها بشكل جاد وجيد جدا وكان يضيف إليها وإلي أشياء حيث قدمها بأداء متميز لم أكن أتوقعه وشكرا للأستاذ فلاح هاشم".
ثم تحدث فلاح هاشم عن تجربة أخرى تتعلق بالتأمل "المدتيشن" وتعمقه فيه وأثر ذلك على مجمل حياته ونظرته إلى الحياة ثم انعكاس ذلك على نتاجه الابداعي. . وقد لاقى الموضوع دهشة عند الحاضرين لما فيه من معلومات تلامس أعماق الانسان و فهمه حياته و صلته بالوجود.