ادب وفن

محطات نوابية.. ما بين المنبر والمعبر / صلاح جبار عوفي

في أدناه إسمحوا لي أن أُقدِّمَ لكم، مساهمتي في حفل تكريم الشاعر الكبير مظفر النواب (الذي أقامهُ التيار الديمقراطي العراقي في ستوكهولم بالتعاون مع الجمعية المندائية في ستوكهولم.. يوم 10 كانون الاول 2016). حيث سجَّلتُ ـ وبلهجة عامية عراقية ـ أهم المحطات النوابيَّة (وهي ثماني محطات من بين الكثير من محطات حياته، السياسية والثقافية والاجتماعية، وغيرها...) فبدأ، بمحطته الاولى، بغداد، التي فيها وُلدَ عام 1934 م، وفيها ترعرعَ، وأنهى دراسته الجامعية في كلية الآداب.. ثم واصل تثقيفه الذاتي، فقرأ الأدب العالمي والعربي والعراقي، إضافة إلى قراءاته السياسية.. حتى تشبَّعَ بالفكر العلمي وبالثقافة التقدمية، لتصبح تلك الثقافة العلمية التقدمية، أساساً لبناء وعيهِ السياسي، الذي قاده، ليكون واحدا من المناضلين المؤمنين بعدالة قضيتهم، لتحقيق حلمهم الكبير، الذي جسَّده شعارهم المركزي (وطن حر وشعب سعيد).. أما محطته الثانية، فهي (ايران)، التي وصلها هارباً والعديد من رفاقه الشيوعيين، تخلصا من بطش نظام 8 شباط 1963م، ليجد نفسه ورفاقه في سجن (باغ مهران ـ إيران)، بعد كمين نصبه لهم سافاك الشاه.. ليتم تسليمهم الى السلطات العراقية، ليُودَع ورفاقه في سجـن (نقرة السلمان/ محطته الثالثة)، ليقضِّي فيه المدة الاولى من محكوميته.. حتى تمَّ نقله الى محطته الرابعـة (سجن الحلة) عام 1966م، ليخطط ورفاقه، لحفر نفق تحت أرض هذا السجن، فتم ذلك، وتحقق لهم الهروب الشجاع.. ليحط في محطته الخامسة متخفياً في " قرية نبي الله أيوب " (الواقعة على نهر الحلة المتفرع من الفرات)، ضيفاً في كوخ إمرأة ريفية من أهالي تلك القرية، أسميتها في قصيدتي "أم چرغد حَبَر".. وبعد ليلة واحدة، وبمساعدة وتعاطف من تلك العجوز الريفية، تحوَّلَ (متنكراً) الى محطته السادسة، وهي ناحية القاسم، وهناك سكن في قرية من قرى القاسم، وكان يتردد (متنكراً بزيِّهِ العربي) على مرقد الامام القاسم (إبن الامام موسى الكاظم)، ومن هذا الموقع، إنطلقت قصيدته ((يالشوفتك شباچ للقاسم.. وِدْخول السنة من الگاك.. يا فَـيْ النبع وأطعم..عِطش صبير، لا فرگاك...))، والتي فيها كان ينادي حزبه الشيوعي، بعد إنتكاسة شباط 1963 م، ليقول له : (يالشوفتك شباچ للقاسم..).. ثم عاد إلى بغداد، ليختفي مؤقتاً، في أحد أوكار حزبه في حي المنصور، فكان ذلك الوكر محطته السابعة.. لينتقل بعدها إلى محطته الثامنة (أهوار الناصرية / جنوبي العراق)، ليشارك مع رفاقة في عمليات الكفاح المسلح عام 1967 ـ 1968، ويعيش مع نساء ورجال الهور، حياتهم، ويتعلم لهجتهم ويشاركهم تقاليدهم، ويأكل خبز "الطابگ وسمك الحمري" من يد سيدة الهور، التي أسمَيتُها (تسواهن).. ثم تنقَّلَ بين محطات مختلفة... حتى وجد نفسه، مغترباً ومتغرِّباً عن وطنه الأم، دون أن يتحقق حلمه، الذي من أجله ناضل.. ومازال إبن العراق، يعيش الغربة.. وبقي زاده في غربته، تلك القصائد التي تتفجَّر بداخله عن حزن عميق، إسمهُ حزن العراق..!!ا
فهنيئاً لك أيها العملاق، بتأريخك النضالي الناصع المشرِّف.. وهنيئاً لك، وأنت تؤسس لنا وللأجيال القادمة، مدرستك النوابية الحديثة في الشعر الشعبي.
وإليكم ما إستطعت أن أكتبه وأشارك به في هذه المناسبة..
محطات نوّابية.. ما بين المنبر و المعبر
مظفَّـر.. يا أصيل.. يـ بْـنْ العراق الحُـر
يا چلمة عشگ ثـوّار.. يا غِنـوَة عمـر
يا صوت العـراق، إلـما تِهـاب المـوت
يا ثورة قوافـي.. شاجورْهَـه يْـفَـوِّر
قصايد نار.. هـزَّت سجـن "باغ مهران"ا
ولا همَّـك "بهلـوي" وْ "سافـاك" مُخبِـر
تِشهـد لك، نگـرة السلمـان والسَجّـان
قاوَمْـتْ البـراءة.. وإكـتَمِت كِـل سِـر
سجـن الحلَّـة يِشهَـد للنفـق حفَّـار
مُـو بِيـدَك حُفَرتَـه.. إبشَفـرَة الإظفـر
عانَـوك الرفـاق.. وْ شَـدَوْا إحزاميـن
والسجّـان ظـل حايـر بالنفـق يِفتَـر
بتـراب النفـق.. إتْحَـنَّـن إحديثـاث
وِتْباهَـت زِلِمْنَـه.. وراحـت إتبَشِّـر
***** ***** *****
صگـر حط إعْلـه قريـة " نبـي أيـوب "ا
تِلَگَّـتَـه إبفَـرَح، أم چَرغـد حَبَـر
نِگـل جِدْمَـه الفجـر.. وِالـذِياب تحـوم
على "القاسم " نِـزَل.. بعگال مِتنَكِّـر
صِرَخ..! يَلْ شَوفِتَـك شبـاچ "للقاسم"ا
عِطَش صُبَّير.. إوْ لا فرگاك.. يَـ مصنگـر
يا خيـمة فقيـر.. وْ لگمَـة الجوعـان
يا خبـز الكادحيـن إلبيـك نِتفَطَّـر
جَرِحْنَـه غِمِـيـج.. إبعِطّـاب ما يِلتَـم
جرح "صْوَيحِب"، جْروح فوگ جْروح خَضَّر
المْعـاتَـب كَـلِف، وَيْ أسـد مكسـور
نِتعاتَـب، بَعَـد ما كسـرَه يتجَبَّـر
يَـلْ شايـل إهْمـوم، إو حِمِـلْ كِـل النـاس
مِن غَيـر التفـگ.. ما نُعبِـر المعبَـر
***** ***** *****
مظفَّـر، ياعَـلَم.. يا بيـرغ إبـ نِص هَـور
أهـوار " الجنـوب ".. ما تنساك يَ مظفـر
و " أم عْرَيف " بِيـدَك والفشـگ تَنُّـور
قَلمَـك نـار، إيصِـدْ النـار، مِن تِسعَـر
وإذا غَفـوَة تَعَـب بَـيِّـنَـت بالعَيـن
" تِسواهِن " تِـنِـدبَـك يُمَّـه يَـ مظفـر
أخـاف إعْلَيك يُمَّـه، مِن غَـدِر أنـذال
ما رِيـدَك تِضيـع وْ چبـدي يِتـفَطَّـر
وَأدرِيبَـك جِبَـل، وِتقـاوم الكلفـات
مِثِـل مِحبَـس، تُفِـرهِـن بإصْبِـع الخنصِـر
وأدرِيبَـك شَهِـم، ما هَمِّتَـك عثـرات
بَـسْ أدري الحِـزِن، عَـلْ غُـلبَـه يَـ مظفَّـر
***** ***** *****
شَوَصفَـك.. والقلـم بالوصـف محتـار
يا نجمَـه إبسمانَـه.. يا ضَـيْ الگمـر
يا شمـس بغـداد.. وْ بسمَـة الصَوبَيـن
يا كرخ و رصافـة.. وْ دِجلـة مِن يِسهَـر
يا گنطـار "بصـرة".. وعنبـر "المشخـاب"ا
يا طِيبَـة "كاظميـة ".. إلبِيـك نِتعطَّـر
چلماتـك، مِثِـل طعـم الملـح عَـلْ زاد
شِعـرَك عَسَـل مِن إلسانَـك إيقطِّـر
يِظَـل نَبعَك، ماي صافي، مْن الـ " نباعـي"ا
بِيْ طَعَـم مِن هَورْنَـهْ ومـاي المگيـر
تِبقَـه كهـرب، مِثِـل كهرَبْـنَـه نقـي
نَفِـس لونَـك.. ذهـب تيـزاب ما زَنجَـر
چثيـرة مْنْ البِيـارغ، بَدِّلَـت ألـوان
وإنتَ بَيرَغَـك، طُـول الوَكِـت أحمـر
چثيـرة مْن المواگِـد، طَفَّـت النيـران
وإنتَ موگـدَك، مَلْگـه الضَيـف، و مْوَجِّـر
عـزة نَفِـس بيـك، صـارت إلك عنـوان
لا حاكـم جاملـت.. لا سلطـان متجَبّـر
لوَن تدري..! بْـ عـَبيد الكرسي والدولار
نهايتهـم مزابـل.. وإنـتَ تُبقَـه الحُـر
***** ***** *****
على حبَّـك.. آنَـه حَبَّيـت البنفسـج
شَـرْد أگِـلـك..! آنَـه چلمـة.. وإنتَ دَفتَـر
يَلْ کِـلَّـكْ مَحَنَّـه.. إو حِـنْ.. وآنـه حِـنْ
دجلـة إمحَضِّـرَه إلْ جَيتَـك نِـذِر وأكثـر
و " إبُو النوّاس" عَينَـه عَـلْ البَلـم لو مَـر
بلچـن شايـل إبشـارَه.. وْيجـي مظفَّـر
و " أم شامات ".. تِتنَطَر گعيـر الريـل
بلچـن يِـحِـطْ بيهـا.. وينـزِل مظفَّـر
مظفَّـر لا تِغيـب.. لن غَيبتـك أحـزان
كل شمس إلتِغيـب، إلْ طَلعَتْهَه نِتحَسّر
كِل شَمـس إلتِغيـب، إلْ شوفَتْهَـه نتحسَّـر