ادب وفن

من أجل خطاب مسرح حقيقي / ستار الناصر

مهما ابتعدت الأضواء في ظروف قاهرة عن المسرح؛ يبقى المسرح سيد الفنون الجميلة قاطبة. ففي رحابه نمت وترعرعت كل الفنون، وهو الذي أظهرها إلى الناس عبر مسيرته الطويلة كمادة ثقافية من الطراز الأول. فهو الراعي للموسيقى المسرحية التي تصاحب العرض منذ نشأته وحتى اليوم، كذلك احتضانه فن الأوبرا والباليه، وفن الأزياء وفنون الرقص المختلفة والغناء، والإضاءة، وهذه بشكل عام تعد أهم الفنون الجمالية التي وصلتنا من المجتمعات عبر مسيرة الانسان الطويلة.
والمسرح اداة تغيير من خلال ما يطرحه من أفكار تؤثر في الناس تأثيرا ايجابيا، كما هو مرتع أصيل لوسائل التحريض المختلفة للشعوب من أجل الانتصار لقضية الانسان العادلة. ولهذا نحن بحاجة ماسة الى عروض مسرحية على الدوام، فهي المعين الذي لا ينضب في خلق جو من الفرجة يتلقى المتلقي عبرها المتعة والفائدة وهما اللتان يشكلان الأساس الجمالي لذائقة التلقي. وفي ظرفنا المتأزم الآن حيث غياب مكانية العروض المسرحية بسبب النهايات المأساوية لأماكن العرض المسرحي التقليدية في بغداد. فقد انتهت هذه المسارح ولم يعد لها وجود رغم وجود بناياتها التي تعرضت إلى التخريب جراء الحروب والنكبات المختلفة، ليس في بغداد العاصمة فحسب، بل في مدن العراق كافة. أقول في هذا الواقع المتأزم جدا، لا بد من قيام مسرح واع مدرك حجم ما وصل اليه حال العراق من خراب شامل في بنيته التحتية والفوقية. بمعنى آخر نحن بحاجة ماسة إلى خلق مسرح بديل يزرع روح المقاومة في الذات العراقية، وحب الحياة والرغبة في الاستمرار وصناعة الأمل المقرون باستلهام تجارب الشعوب التي مرت بمثل ظروفنا عبر تاريخها النضالي. وبهذا يتم تفويت الفرصة على انتشار ظاهرة المسرح التجاري وإعادة الجمهور الذي اختطف في فترة حرب السنوات الثمانية، وما بعدها. حيث شهدت تدهور المسرح الملتزم وظهور ما يعرف بالمسرح التعبوي الذي تشرف عليه السلطة من ناحية، ومن ناحية أخرى المسرح التجاري الذي اتخذ من دور عرض السينما أمكنة لتقديم عروضه التي تسيدت الشارع العراقي. وهي كلها عروض هزيلة لا هدف لها سوى استدراج الشباب عبر مشاهد الرقص الخليعة والنكات الفجة التي تسيء إلى الإنسان ومن نواح عدة.
بعد عام 2003 قدمت عروض مسرحية جادة مهمة كثيرة حاولت بإخلاص مناقشة واقعنا بشكل عام، وقد نجح الكثير منها نجاحا باهرا، ولكن ما قدم منها قياسا بالحاجة يمكن اعتباره قليلا جدا. واغلب هذه العروض قدم على المسرح الوطني في أوقات مختلفة منها صباحية، وبعضها مسائي مراعاة لتردي الواقع الأمني.
ان قيام خطاب مسرح واع - على نطاق واسع - لدور المسرح في المجتمعات، وتقديم عروض تتناول ما وصلنا اليه من واقع مزر. مسرح يناقش بمسؤولية الأحداث التي مر بها العراق على وفق أسس علمية مستلهمة خبرة السابقين الذين رسموا لنا الأمل في الخلاص من مصائبنا الجمة. نريد مسرحا يناضل ويجد في البحث عن سبل تساعد في اعادة التوازن في النفس البشرية العراقية وتحرث الطرق المؤدية الى واحة الأمل، مسرح يخلق السبل ويمد الجسور والمقتربات التي من شأنها اعادة الجمهور، مسرح حقيقي يساهم في اعادة صرح الذائقة الجمالية العراقية.