ادب وفن

عهود الشكرجي: الغربة حجمت تواصلي مع الناس / حوار: علي عبد الغزي

بطعم الغربة والوجع العراقي لنا لقاءات مع إخوتنا العراقيين في المهجر, وبالرغم من قساوة الظرف الذي أبعدهم عن وطنهم وأهلهم فهم في حدقات العيون ونتابع أخبارهم ومنجزاتهم عبر القنوات الإعلامية، وتبا لزمان جعل من الكفاءات العراقية خارج أسوار الوطن ومن هذه الكفاءات ضيفتي الشاعرة والأكاديمية عهود الشكرجي وهي عراقية مع سبق الإصرار تميزت بشعرها نتيجة وجع الغربة عن الوطن.
فهي المرأة العراقية الأصيلة, وبطبيعة المرأة الشاعرة لا تبدع الشعر من فراغ وإنما يفيض شعرها استجابة لمواقف تأثرت بها شاعريتها، لذا تميز شعرها بالصدق والشجاعة والإقدام. والشعر النسوي يعبر عن رؤية المرأة لذاتها. وضيفتي لها رؤية خاصة تمازجت مع وضعها في بلاد المهجر لتستفيد من ثقافة كانت مغيبة ومجهولة عنها.
سألتها أولا:

أين تكمن غربتك، في المهجر أم في بلدك العراق؟

بكل صدق الحياة أصبحت أكبر غربة نعيشها ورغم ابتعادي عن بلدي لسنين عديدة لكني لا أجد نفسي قد تأقلمت في العيش هنا وحتى ما قبلها في البلاد العربية فبلدي هو أمي التي لن تتخلى عني ولن أكون الابنة العاقة له وأضعف إيماني أني أدعو في كل وقت أن يزيح عنها هذا الثوب الحزين وأدعو لكل فرد فيها بالعيش بسلام وأمن وأمان.

كيف تعيشين الغربة وأنت بعيدة عن ثقافتك العربية والعراقية؟ وهل هنالك تأثير على الإبداع؟ أو هل أضافت لك شيئاً آخر؟

ياسيدي حتى في الغربة هناك من يحظى بما لم يحظ به في بلده فالكثير من المغتربين سهلت الغربة لهم كثيراً من السبل , أما أنا فاعتبر نفسي من المغضوب عليهم سواء كنت في بلدي أو كنت في الغربة, المكان الذي أعيش فيه بعيد كل البعد عن أي مزاولة للثقافة أو أي تجمع ثقافي ولو على نطاق ضيق فمن المؤكد أن الغربة بالنسبة لي قد حجمت تواصلي ومواصلتي مع الناس وأثرت أشد التأثير حتى على معرفة الناس بي فقد انقطعت عن الكتابة في الصحف منذ التسعينات وتفرغت للعائلة وهذا أيضا اثر على تواصلي، والغربة اعتبرها نوعاً من أنواع العذاب لأنك لا تستطيع أن تقبل يد أمك وان تسمع منها دعاءها لك كل صباح، غربتك حين تترك ذكريات طفولتك. أن تترك حديقة منزلك التي طالما ركضت وقفزت بين أشجارها وفي ظلالها, غربتك حين تترك من تحبهم وتشتاق لهم وتبكي مع صورهم وتمر عليك ساعات بعدك عنهم كأنها قرون .
الاغتراب ربما تتعود عليه بمرور الزمن ولكن ما لم نستطع التعود عليه هو غربة مشاعرنا وأحاسيسنا التي لا يعلم عنها احد حتى من تحبهم وتبكي لفراقهم . وبالتأكيد إن بعدنا عن أي مجال سوف يحجم أي ابتكار ممكن أن يكون وما ننجزه في بلدنا بعام واحد ربما يكون بالغربة بعشرة أعوام ناهيك عن الجودة وعن المتلقي والمجتمع الذي تعيش فيه
أيهما اقرب لنفسك الشعر العمودي أو الحر ؟

أستاذي الفاضل صدقني إنني إلى الآن لا احسب نفس شاعرة فالشعر والأدب بحر كبير ليس له نهاية، وأنا اعتبر نفسي شاعرة على نطاق ضيق منذ عمر السادسة عشرة أو السابعة عشرة وأنا أكتب الشعر، فنحن عائلة تحب الشعر بكل أنواعه ومنذ طفولتي وجدت نفسي أحب قراءة القصص البوليسية والرومانسية والشعر والأدب بكل أنواعه.

سابقا كانت تطلق على بعض الشعراء مسميات وألقاب كأمير الشعراء, أو شاعر البلاط وغيرها؟ هل أنت مع الألقاب والمسميات؟

أنا اعتبر كل الشعراء الذين خلدهم التاريخ هم أمراء للشعر مثل شعراء العصر الجاهلي والأموي والعباسي والحديث، فكل منهم بشعره نكهة خاصة لكن في المقابل أجد الألقاب والمسميات تغبن حق البعض منهم ممن يستحق أن يلقب كأمير ووطننا العربي له رصيد كبير من الشعراء فليس من المعقول أن يسمى الجميع أو يلقب بالأمير مثلا وإنما اسمه وإبداعه من يجعل له شارة ولقباً.
لأي مدرسة تنتمي عهود الشكرجي؟

في صغري كنت أقرأ للكثير من الأدباء والكتاب والشعراء وكل منهم شعره نكهة خاصة وله أسلوب معين وأكثر ما شدني وجذب انتباهي هو الكاتب الرائع الأديب جبران خليل جبران، كنت أقرا له كثيرا فكانت مدرستي التي انشأتها أنا مدرسة متواضعة بمزيج من كل من قرأت لهم وأحببتهم حتى في مجال الرواية والقصة كاغاثا كرستي، باختصار أقول لك بكل تواضع أني انتمي لمدرستي التي لونتها بكل ألوان الذين قرأت لهم وتأثرت بهم وهي مدرسة عهود الشكرجي.

لمدرسة الشعر الكلاسيكي ميزة خاصة! فهل لها تأثير على بناء قصائدك؟ وأي شاعر لفت نظرك من تلك المدرسة؟، أيهما أقرب لنفسك في الشعر, الغزل أو المديح والهجاء؟ وهل لك منجز في هذا النوع من الشعر؟

الشعر الكلاسيكي هو الشعر القديم المحدّث الذي طرأت عليه تغيرات الحداثة لكي يكون أسهل, والكثير من الشعراء اتجهوا لهذا النمط لأنه يمثل أروع النماذج الشعرية التي تستحق أن يقتدى بها ولهذا أطلق عليه الكلاسيك لأنه يجمع ما بين التجديد والتقليد أي القديم في آن واحد فلا يمكن أن يكون شيء نحو التجديد بدون القديم وأجده الأقرب إلى الواقع مقارنة بغيره من مدارس الشعر الأخرى ولا ننسى أن الشاعر محمود البارودي الذي كان له اثر كبير في هذه المدرسة بالنسبة للشعر الكلاسيكي العربي, فمن يميلون الى هذه المدرسة وينتمون إليها هم من فطاحل الأدب والشعر ومثل هكذا مدرسة بالتأكيد تترك بصمة وتأثيرا بالغاَ على الأقل بالنسبة لي.

أيهما أقرب لنفسك الشعر الأموي ,العباسي , أو الشعر الحديث؟

الشعر في العصر الاموي كان مزدهرا حيث اهتم خلفاء بني أمية بالشعراء نتيجة حبهم للشعر، وأكثر الاهتمام كان للترويج لأفكار بني أمية وسياستهم. سلط الضوء في هذه الحقبة على ان يكون تربويا واجتماعيا بالإضافة إلى ترويج أفكار الخلفاء الأمويين وطبعا كان للغزل والهجاء نصيب وفي هذه الفترة أصبح الشعر اكثر سلاسة من العصر الجاهلي ومن أكثر الشعراء شهرة جرير والفرزدق، اما الشعر العباسي فكان وسيلة للكسب، فأكثر الشعراء في هذه المرحلة كان شعرهم مسلطاً على مدح الأمراء وكان يتميز بتزييف العواطف، اما الغزل في هذه الفترة كان غارقا في الفحش لحد الشذوذ وانقسم الشعر في هذه الحقبة الى الشعر الرسمي والشعر الشعبي وأكثر الشعراء شهرة مثل ابو العلاء المعري وأبو نؤاس والمتنبي وغيرهم، اما الشعر الحديث فهو آخر السلسلة الزمنية وهنا اتصف بالحداثة مواكبة لما كان يعيشه المجتمع العربي وانتقل فيه الشعر هنا من العمودي ذي الشطرين إلى الحر وأخذ بالتقليص بالنسبة إلى القافية والوزن والكثير من الشعراء في هذا العصر اشتهروا برواد الشعر الحديث مثل ايليا ابو ماضي والسياب والخوري وطبعا عبد الرزاق عبد الواحد وغيرهم كثير كل عصر كانت له نكهته الخاصة وبالنسبة لي أحب كل أنواع الشعر على الأقل على مستوى القصيدة فربما أميل لقصيدة معينة او بيت شعر لأي شاعر لكني لا استطيع الاستغناء عن الشعر الحديث مواكبة للعصر ولذوق المتلقي .

أرى انك في أغلب قصائدك تمجدين الرجل أكثر وتجعلينه حصان طروادة. فما هي الأسباب؟

لأن الرجل هو العمود الفقري للحياة وبدونه لن تكون حياة فمن أين جاءت أمنا حواء من الرجل والرجل هو الأب والابن والأخ والصديق فلم لا أمجده؟ وبالرغم من الاختلافات التي تتولد بين الرجل والمرأة إلا أنها لا يمكن الاستغناء عن الرجل فكل العظام والمخترعين والعلماء والأنبياء كانوا رجالا فلم لا نعترف بالحيز الكبير الذي يشغله؟

هل من رسالة تبعثينها لأهلك في العراق؟

حبي للعراق وبلدي جعلني أتمنى أن يكون لي أجنحة ملائكية تعينني على احتضان كل عراقي يفتح عينه على شمس قبلت وجه ارض العراق, تلك الشمس التي اعتادت ان تشرق لتحتفل معه بيوم جديد وان تغرب منحنية على ضفاف رافديه العذبين , أقول لكم اني أدعو لكم مع إطلالة كل صبح ان يعود العراق كما كان محور الجمال والخير والسلام, أتمنى أن لا تفترق أياديكم عن بعض وان تبقوا متكاتفين كما انتم في التاريخ نحن من علمنا ابجدية الصبر والشجاعة والتحمل ونحن من كان يحفر الصخر ليكتب عليها السنن والقوانين نحن أبناء حضارة بابل وآشور وأكد وسومر فلا تجعلوا الحاقدين ينالون منكم ويلبسونكم ثوباً لا يليق بكم , نحن أهل المقدسات وارض الأنبياء وارض من هبط من السماء ليسكن على أرضها, انحني لكم ولصبركم وأقبل الثرى الذي سقي بدماء الأبرياء الزكية وارفع يدي لرب السماء كلما أشرقت الشمس ادعو لكم بقلب صادق ان يرزقكم الله بعيش رغيد في ارض الخير والسلام.