ادب وفن

طائر التم وعز الدين طابو / صباح شاكر

مسرحية "أغنية طائر التم" للكاتب الروسي انطوان تشيخوف التي كتبها في العام 1887 عن حياة ممثل مسرح عجوز اسمه فاسيلي، هرِم وشاخ فاكتشف بعد فوات الأوان يقين نهايته ومجده الزائل في اللاجدوى وعبثية الوجود . بعد ضياع خمسة واربعين عاما عجاف أفناها هباء فوق خشبات المسرح ولم يبق له شيء من تلك النجومية واللمعان إلا أضغاث اوهام ولم يجن من ثمار جهده واجتهاده لا دارا تؤويه ولا سمار ليل أو حتى غرفة صغيرة تؤويه فيلجأ مضطراً الى العيش والنوم خلف كواليس المسرح الذي لطالما قد صال وجال على خشبته وأفنى عمره قربانا من اجل مكنون رسالته . وفي هزيع ذات ليلة من سود الليالي ضرب عنده الوجد فاعتلى خشبة المسرح تلهج لواعج نفسه الأمّارة بالفن والكبرياء وراح يمثل ويتلو تراتيل آياته بلا تصفيق ولا جمهور . يستذكر ماضي مجده الأفول يوم كان نجم شباك يلعب ادواراً لصمويل بيكيت وموليير وبريخت وللعظيم وليم شكسبير شخصيات ابتداء من هاملت الى الملك لير وعطيل ومحطات فنية كان لها صداها ثم يأخذنا منكسراً حيث تعاليم دوستويفسكي وحواضن الذات الانفعالية . فيشط ويستغرق طويلاً سرد تأريخه الشخصي وتوالي انكسارات ميلودرامية عبر دايلوك طويل يكاد يكون خارطة طريق لنهاية فنان مسرح زاهد عظيم وإليكم أصل نص الحوار:
"ذهب الجميع ولم يبق سواي انا وحدي الذي اقيم هنا بعد ان تنكّر لي الكل ولفظتني الأيام متشردا، ليس لي من مأوى وبالكاد أتلمس كسرة الخبز كيّ اعيش خراب نفسي "وراح يتساءل في حرقة" هل هذه هي النهاية ..؟ وهل عجز قدري في ان يحفظ لي كرامتي وبقايا نجم أفل وضاع".
هنا لا بد ان افصح عن جدلية الربط بين نهاية الممثل العجوز فاسيلي ونهاية فناننا المسرحي الراحل "عزالدين طابو" الذي قتله العوز و"الفكر" وكابد ايام تقاعده القسري عن المسرح والدراما التلفزيونية ليعيش منفاه داخل الوطن ملتزماً بمبادئ وأبجدية المسرح وقيمه الإنسانية. عاش طابو في السنوات الأخيرة من حياته في وضع مزر قاس جداً بسبب انانية البعض وتجاهله من ناحية ورفضه المشاركة في اعمال هابطة حفاظاً على تاريخه الطويل الحافل بالمنجز من ناحية اخرى بعد ان قدم الكثير للمسرح وللفن العراقي، سينما وتلفزيون واذاعة، بصنعة وحرفية اكاديمية متقنة وهو الحائز على شهادة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة ببغداد .
وهنا أسأل بتجرد: الا تتفقون معي في أن لا اختلاف بين نهاية "طائر التم" ونهاية الفنان "عز الدين طابو" سوى الزمان والمكان وبعض التفاصيل الميلودرامية في نسيج الفاجعة أو ربما تناص المعنى عند الاثنين وشراكة الوجدان والعاطفة المنكسرة يوحدهما طائر التم الذي يظل صامتا طوال حياته وحين يحس باقتراب اجله المحتوم يطلق اغنيته الاخيرة ويرحل.
عز الدين طابو مسرحية اغنية طائر التم للكاتب الروسي انطوان تشيخوف التي كتبها في العام 1887 عن حياة ممثل مسرح عجوز اسمه فاسيلي هرِم وشاخ فاكتشف بعد فوات الأوان يقين نهايته.