ادب وفن

حياة واحدة لا تكفي / عبد جبر الشنان

"أنت تستعجل الكتابة كما لو انك متأخر عن الحياة" رينيه شار
الشاعر والقاص والروائي والمترجم احمد الباقري منذ عرفته في سنوات الموت الماضية وجدته يحتقر المنصب من قبل مهرجي النظام البائد ولايهادن ثقافة الاستبداد، لذا هجر لمعان عطاياهم وانزوى على رصيف يبيع السجائر في باب الشطرة، ياللمفارقة ! انه بيقينيته لايرى الحياة الا حادثاً عابراً ،
انه يقرأ النقائض وطقوس الوهم، انه مهووس بالمعنى ولاتكتمل رؤاه الا بالتنويع، الحياة بذاتها تعني لديه عبثاً مطلقاً، الحياة لديه ايضاً تسامي بالفضيلة ، افراط بالنقاء، الحياة تمجيد للعثرات.
بشر قصائده وقصصه يهيلون التراب على التاريخ الملفق ويكتبون على اطلاله نهضة حية لعام الحرية المفقود. عصفت به عراقيته وأعلن تخليه عن زمن الكتابة المشوه وانحاز لفردانية صمته، وأبى أن يتحدث عن السلطان وتمجيده ....
انه كما قال سان جون بيرس ذات مره:
( رجل بسيط بيننا، الأكثر سرية في نواياه، قاس على نفسه، صموت، لا يقيم أبدا سلاماً مع نفسه)
ثراء المخيلة ..... طغيان الحس
ببساطة المفردة وإشعاعها، بعيدا عن تشنج اللغة اكتفى الكاتب المبدع احمد الباقري بالتلميح والإيحاء ولأنه مثقل بالمهارة غامر بالتحري عن الحميمي والمقصى من سائر أيامنا دون أن يستسهل الكتابة ويساهم بجعل التبسيطية سمة دالة على ما هو متداول من نصوص هذه الأيام. مترفعا عن الكليشات الجاهزة وبثراء وجدان نجده يسعى لتحطيم عقلانية الماضي الادبي المحنط وتوصيفاته من خلال فعل واع وكتابة مضيئة همها الأساس البداية الحقيقية لإبداع تاريخ جديد محمل بكل الإرث الحضاري للعراق . هذا الباقري استطاع بدهائه وفطنته ايضا ان يدخل مع الملك إلى مستحيله، الى مخدعه، طقوسه، ويتفحص هداياه الموغلة بالحيرة والتلغز والرفعة المبهمة. مثل كل مرة سنجده في كتاباته وترجماته يهدئ من غضب الآلهة ولا يثير الهلع لدى حاملي المشاعل وهم في طريقهم إلى المعابد كذلك تغاضيه عن كائنات النقوش المتربعة مثل الأزل على مداخل بوابات القصور وعتباتها الأسطورية لكنه في لحظة نحس يرتقي سطوح الزقورات ويلوح مثلها بهراوات رخامية لزجر الرعاة ... لكن عن بعد . تمكنه من أشكال التعبير الاستعارية والبرهانية تؤكد تحديه للتوحيد السردي والتصنيف الجمالي والاسلوبي وكذلك تأكيده على الثيمات المستعارة من مرجعياته وبحثه المشروع عن تقنيات التجربة والوقوف على دقائقها التمهيدية . في اعتقادنا أن ذلك يعود لادراكه المبكر لخصوصية زمن حتم عليه إبداع شكل خطابي جديد نوعي، له ولعه الخاص بالحياة وله كذلك ما يشاكس ويستفز وعي المتلقي، يريد قراءة متأنية تنصت لبلاغة مشهده الأدبي.