ادب وفن

14تموز.. الثورة التي تكالبت عليها قوى الشر / علاء الماجد

يرى البعض في النظام الملكي الذي فرضه البريطانيون وجاءوا بملوكه من صحراء العرب نظاما مقدسا ومنزها عن الاخطاء وارتكاب الجرائم بحق الشعب العراقي ارضاء لمن عوضهم عن خسارتهم في نجد والحجاز، وكأن العراق صاحب اكبر حضارة في التأريخ ليس فيه من يستحق قيادته ورئاسته. وهذا البعض ايضا يرى في الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم سببا في جر العراق الى انقلابات وحروب ودكتاتوريات، وكأن العهد الملكي لم تحصل فيه محاولات انقلابية، ولم تتدخل بريطانيا وترجع عبد الاله إلى الحكم تحت مظلة طائراتها التي دكت بغداد. ونفس هذا البعض لا يسمي ثورة 14 تموز الخالدة، ثورة ويصفها بالانقلاب العسكري، متناسيا عن عمد او جهل ان الجماهير والاحزاب الوطنية خرجت الى الشوارع منتفضة على العهد الملكي ومبتهجة بقيام الجمهورية، وكان طليعة الجماهير "جبهة الاتحاد الوطني". ونفس هذا البعض تناسى ان من قام بالثورة رجال عراقيون لم تثبت الوقائع والسنين انهم جاءوا على ظهر دبابة اجنبية. بل العكس حصل في القضاء عليها وهي فتية لم تتجاوز العقد الخامس من عمرها، اذ تكالبت عليها كل قوى الشر من دول العالم والدول الاقليمية والعربية وعلى رأسها مصر، وبعض الحركات الرجعية المتخلفة. ولا احد يستطيع ان ينكر او يزور قول علي صالح السعدي امين سر القطر لحزب البعث آنذاك "لقد جئنا بقطار امريكي". هذا البعض ايضا لا يرضخ إلى حتمية الحقائق عندما تتضح كالشمس لا غبار يخفيها او يحد من شعاعها. ففي عهد الزعيم لم يعرف المجتمع العراقي هذه النعرات الخبيثة من دينية وقومية وطائفية، فكان ان اختار رئيسا لجامعة بغداد رجلا "مندائيا" من اهل مدينة العمارة، وعندما اعترض البعض على ان هذا الرجل "صابئي" قال الزعيم "أنا عينته رئيسا لجامعة وليس اماما لجامع"، ولم يمتهن هذا النظام المرأة العراقية العظيمة، فكانت نزيهة الدليمي وزيرة فيه. ورغم فترة حكمه القصيرة "أربع سنوات ونصف" الا انه بنى 25 مستشفى و 160 مستوصفا وشيد 22 جسرا وانشأ 10 مدن سكنية وبنى 2334 مدرسة و 44 مصنعا، فأي زعيم هذا الذي تسمى ثورته انقلابا، واي زعيم هذا الذي يتجنى عليه البعض وهو شهيد قبل 54 سنة. اردت من خلال هذه المقدمة ان اضع بين ايديكم ما كتبه الدكتور مؤيد الونداوي عن اشهر المحاكمات السياسية في العهد الملكي، فقط للتذكير ان حال المجتمع العراقي لم يكن في خير ورفاه، قبل الزعيم عبد الكريم قاسم. يؤسفني كثيرا ان يلقي البعض باللائمة على الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ويعتبره السبب في ما نحن فيه، اقول ومن حقي ان ابدي رأيي كما من حقهم هم. ان العهد الملكي أسوء عهد مر به العراق، حيث كان من صنع البريطانيين وفرضوا فيه ملكا مطرودا من الجزيرة على ايدي آل سعود، ومطرودا من الشعب السوري عندما حاولت بريطانيا ان تنصبه ملكا عليهم. وقبلنا به نحن وكأن العراق صاحب حضارة الـ 7000 سنة يستورد له ملكا من صحراء لا زرع فيها ولا ماء. بقي العراق تحت الاحتلال واقعا. وبلدا مستقلا وعضوا في هيئة الامم ظاهرا. والدليل تحكم بريطانيا في القرار العراقي بعد ثورة رشيد عالي الكيلاني ودك بغداد بالطائرات واخماد الثورة واعادة الوصي المهزوم الى السلطة. وقراءة سريعة لكتاب "المحاكمات السياسية في العهد الملكي" تعطيك صورة واضحة عن دموية هذا العهد وانبطاحيته للتاج الملكي البريطاني. واعدام خيرة ابناء العراق بأحكام قضائية جائرة ومنحازة. عبد الكريم قاسم العراقي النزيه الذي عجز اعداؤه عن ايجاد مثلبة واحدة في شخصيته ووطنيته وعفته ونزاهته، اضطروا ان يحملوه تبعة كل الدمار والتردي الذي لحق بالعراق بعد الثورة. وايضا وصفوها بالانقلاب العسكري، وذلك قصور في الرؤيا والاطلاع على تأريخ العراق الحديث، واجحاف بحق القوى الوطنية التي شكلت جبهة الاتحاد الوطني التي ألهبت الشارع وقطعت الطريق على البريطانيين في تكرار عملية افشال ثورة الشواف وعودة الملك مرة ثانية. ثورة تموز قامت على البريطانيين وعملاء البريطانيين. ومن يطلع على الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعها نوري وغيره مع البريطانيين، يعرف حجم الغيرة التي يمتلكها قاسم اتجاه وطنه والتي يفتقر اليها البعض الان مع كل الاسف. هذا البعض يتحدث عن "مجزرة قصر الرحاب" التي قتل فيها الملك وعائلته، ويغض الطرف عن مجزرة البعثيين في 8 شباط الاسود التي زهقت فيها ارواح في الشوارع والازقة قبل قصر النهاية ونقرة السلمان وقطار الموت وسجن رقم واحد. جرائم البعث منذ 63 حتى 2003 سببها عبد الكريم قاسم، هذا استنتاج عجيب غريب، لرفع ثقل الجرائم والقتل والابادة من على كاهل البعثيين المدعومين من بريطانيا والقائها على كاهل الزعيم. واعتبار الـ 4 سنوات التي حكم بها العراق وانجز ما انجزه خلالها هي التي فتحت الباب لحكم العسكر. متناسين ان العسكر المستقل ليس له علاقة بهذه الانقلابات، انقلاب شباط على ايدي ضباط بعثيين مدعومين من بريطانيا والغرب، وانقلاب تموز 68 ايضا كان من قبل ضباط بعثيين، واعتقد ان اسماءهم معروفة للعراقيين في هذين الانقلابين. لماذا لا يتطرق البعض الى الغاية من قتل عبد الكريم قاسم، لماذا لا يرجع هذا البعض إلى الوثائق البريطانية بهذا الخصوص، لماذا لا يلقي هذا البعض باللائمة على البعثيين في انهاء حكم قاسم الوطني وجر البلاد إلى الويلات والدمار خلال 40 عام من حكمهم الديكتاتوري الاستبدادي. والله انا في غاية العجب، صرنا نرمي سهامنا على رموزنا الوطنية ونتفرج على الفاسدين والحرامية، ونمنحهم النزاهة والشرف لان عبد الكريم هو السبب في مجيئهم إلى السلطة.